دنياهم وأخراهم ؛ وهذا العدل المعنوي الذي يشير إليه يتطلب من العلماء أن يتعرفوا إلى الحاجات العقلية والنفسية والدينية التي يحتاج إليها هؤلاء العوام ، ليستقيم أمرهم ويعتدل حالهم ، فلا يقدّموا إليهم إلا ما يزيدهم توفيقا ورشدا في أمور دينهم ودنياهم.
ويرى الإمام الغزالي أن قوة العدل الحقيقي هي ضبط الشهوة والغضب ، وإخضاعهما تحت إشارة العقل والشرع ، وهو يرى أن العدل حالة للنفس ، وقوة بها تسوس الغضب والشهوة ، وتحملهما على مقتضى الحكمة ، وتضبطهما في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها.
وكلما علت منزلة الانسان بين قومه ، أو إتسعت تبعته نحوهم ، أو انفسحت اختصاصاته معهم ، زادت مطالبتهم له عقلا وشرعا بالحرص على العدل والاستمساك بالقسطاس ، ولعل هذا بعض السر في إخبار الرسول لنا بأن الإمام العادل أحد سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله ، وإخباره أن ذا السلطان المقسط العادل أحد ثلاثة هم أهل الجنة.
والعدل نوعان : نوع يقتضي العقل حسنه دائما ، وهو الإحسان إلى من أحسن إليك ، لأن الله تعالى يقول : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) ويقرب من معنى هذا قوله : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) وكذلك كفّ الاذى عمن كف أذاه عنك : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ).
ونوع آخر يبيحه الشرع ، لأنه عدل يقتضيه التقابل والتماثل ، كالقصاص في قوله تعالى :
(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ). وقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها). وقوله : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً). وقوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
فالاعتداء على المعتدي ، ومقابلة المسيء بالإساءة من قبيل العدل ، وبهذا