لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
* * *
وربما تخيل بعض الناس أن تحقيق العدل أمر ميسور خفيف ، وهذا بعيد عن الحقيقة والواقع ، والسيد محمد رشيد رضا يقرر أن العدل من المعاني الدقيقة التي يشتبه الحدّ الأوسط منها بما يقاربه من طرفي الإفراط والتفريط ، ولا يسهل الوقوف على حدّه والإحاطة بجزئياته ، ولا سيما الجزئيات المتعلقة بوجدانات النفس ، كالحب والكره ، وما يترتب عليهما من الأعمال ، وهذا هو سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسّلام. كان يبذل غاية جهده ليحقق العدل اللائق به بين زوجاته ، في كل ما يتعلق بأمور المعيشة والحياة ، ولكنه كان بعد ذلك يناجي ربّه عزوجل ويقول له : «اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فاغفر ما تملك ولا أملك». وهو يقصد بذلك ميل القلب الذي لا يستطيع المرء أن يتحكم فيه ، لأن الانسان لا يستطيع أن يتحكم في حبه أو بغضه ، ولذلك كان من دعوات الرسول صلىاللهعليهوسلم : «اللهم يا مقلّب القلوب ، ثبّت قلبي على دينك». وجاء في الحديث : «القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلّبهما كيف يشاء». وهذا يذكّرنا بقول الله تعالى في سورة الأنفال : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ ، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ، وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
* * *
والعدل كما يكون في الأمور المادية التي يسهل ضبطها وتحديدها ، يكون في الأمور العقلية والمعنوية التي يدقّ وزنها ، ويحتاج ضبطها إلى معاناة ومشقة ؛ وهذا مثلا الإمام الرازي يقول إن من العدل المطلوب عدل العلماء مع العوام ، بأن لا يحملوهم على التعصب الباطل ، بل يرشدونهم إلى الأعمال التي تنفعهم في