المعنى يقال إن العدل هو المساواة في المكافأة والمجازاة ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر.
وكأن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه كان يستحضر في ذهنه هذه المعاني حين قال في أول خلافته : «إن الله تعالى أنزل كتابا هاديا ، بيّن فيه الخير والشر ، فخذوا نهج الخير تهتدوا ، واصدفوا عن سمت تقصدوا (أي أعرضوا عن الميل إلى جهة الشر تستقيموا) الفرائض الفرائض ، أدّوها إلى الله تؤدّكم إلى الجنة ، إن لله حرّم حراما غير مجهول ، وأحلّ حلالا غير مدخول (غير معيب) ، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلّها ، وشد بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين ومعاقدها (أي مواضعها من الذمم) فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، إلا بالحق ، ولا يحق أذى المسلم إلا بما يجب ، بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم وهو الموت ، فإن الحساب أمامكم ، وإن الساعة تحدوكم من خلفكم ، تخفّفوا تلحقوا ، فإنما ينتظر بأولكم آخركم. اتقوا الله في عباده وبلاده ، فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم ، وأطيعوا الله ولا تعصوه ، وإذا رأيتم الخير فخذوا به ، وإذا رأيتم الشر فأعرضوا عنه».
ولقد تعرض الإمام الشيخ محمد عبده لقول الإمام علي : «بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم وهو الموت» ، فعلق عليه بقوله : «أي عاجلوا أمر العامة بالإصلاح ، لئلا يغلبكم الفساد فتهلكوا ، فإذا انقضى عملكم في شؤون العامة فبادروا الموت بالعمل الصالح ، كيلا يأخذكم على غفلة ، فلا تكونوا منه على أهبة ، وفي تقديم الإمام أمر العامة على أمر الخاصة دليل على أن الأول أهم ، ولا يتم الثاني إلا به ، وهذا ما تضافرت عليه الأدلة الشرعية ، وإن غفل عنه الناس في أزماتنا هذه».
ويعود الإمام علي رضي الله عنه ليقول لاحد الولاة : «أما بعد ، فإن الوالي إذا اختلف هواه (أي جرى مع شهواته) منعه ذلك كثيرا من العدل ، فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء ، فانه ليس في الجور عوض من العدل ، فاجتنب ما تنكر أمثاله (أي ما لا تستحسن صدور مثله من غيرك) ،