ومن مادة «القسط» جاءت كلمة «القسطاس» بمعنى الميزان ، وفي الميزان معنى العدل كما عرفنا ، وقد يعبّر بكلمة القسطاس عن العدالة ، كما يعبّر عنها بكلمة الميزان ، ولذلك قال القرآن الكريم : «وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ».
وضد العدل هو الظلم ، والظلم في الأصل هو وضع الشيء في غير موضعه المختص به ، إمّا بنقصان منه ، أو بزيادة عليه ، وإما بعدول عن وقته أو مكانه ، والظلم أيضا هو مجاوزة الحق والعدل ، سواء أكانت المجاوزة قليلة أو كثيرة فارتكاب الذنب الصغير يسمّى ظلما ، وارتكاب الكبيرة من الكبائر يسمّى ظلما كذلك ، وقد قسم بعض الحكماء الظلم إلى ثلاثة أنواع ، فهناك ـ كما يروي الأصفهاني ـ ظلم يقع من الانسان فيما بينه وبين ربه عزوجل ، وأعظم الظلم الذي يقع من الانسان هنا هو الكفر ، ولذلك قال القرآن الكريم : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وهناك ظلم بين الانسان والناس ، وهو الإساءة اليهم ، أو الاعتداء عليهم ، أو هضم حق من حقوقهم ، وفي القرآن المجيد : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ).
وهناك ظلم بين الانسان ونفسه ، وهو دفعها إلى ارتكاب الإثم ، والقرآن يقول : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ). والظلم يأتي بمعنى الميل والجور عن الصراط المعتدل المستقيم ، كما جاء في الحديث : «لزموا الطريق فلم يظلموه» أي لم يعدلوا عنه ، ويقال : أخذ فلان في الطريق فما ظلم يمينا ولا شمالا ، أي لم يمل. وفي لفظ الظلم اشتراك مع لفظ الظلام ، والظلام سبب حيرة وضلال ، وهذا يذكّرنا بقول رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : «الظلم ظلمات يوم القيامة».
ولقد تكرر ذكر الظلم في القرآن عشرات المرات في مواطن التحذير منه والتهديد لأهله ، والأمر بالابتعاد عنه ، فيقول : (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ) ويقول : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ). وقد نفى الله تبارك وتعالى الظلم عن ذاته فقال سبحانه : (وَما كانَ اللهُ