لهم ، فلا يجوز أن تمنعوهم حقا من حقوقهم ، او تكتموا شيئا مما لهم ، فالعدل واجب عليكم نحوهم في كل الأوقات وسائر الأحوال ، إذ هو أقرب إلى تحقيق تقوى الله تعالى والبعد عن عقابه.
ويأمر القرآن كذلك بالعدل في تقدير الجزاء المطلوب شرعا في حالة اعتداء الحاج على الصيد وهو محرم ، وذلك حيث يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ (١) ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (٢) يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ).
فالمحرم بالحج يحرم عليه أن يقتل صيدا يؤكل لحمه ، فإذا فعل ذلك متعمدا كان عليه أن يدفع جزاء مقابلا لما فعل ، وهو أن يقدّم ذبيحة تماثل هذا الصيد في القيمة أو الهيئة ، والذي يقدّر ذلك شخصان يكونان عادلين في حكمهما وتقديرهما.
والقرآن يشير إلى أن العدل قد يكون في بعض الأحيان شاقا مرهقا ، يحتاج إلى قوة إرادة وشدة عزيمة ، وذلك كالعدل بين الزوجات إذا تعددن ، لأن العواطف والمشاعر والانفعالات المختلفة تتدخل هنا ، وهي عرضة للجموح والتقلب والتأثير ، ولذلك يقول القرآن الكريم عن تعدد الزوجات : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً). ثم يعود في موطن آخر فيقول : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) ..
وهذه إشارة إلى ما عليه طبيعة الناس من الاستعداد للجور والظلم في هذا المجال ، لأن المرء لا يستطيع مثلا أن يسوّي بين الزوجتين في المحبة ..
وقد ينوي الرجل العدل بين الزوجتين ويحاول ذلك ، ولكن يتعذر عليه بلوغه ، لتأثر الإنسان بوجدانه وميله القلبي ، وهو لا يملك السيطرة على قلبه ، فالعدل الكامل هنا لا يتحقق ، فلا أقلّ من التأبي على الجور الواضح والميل الشديد ، حتى لا تتركوا الزوجة التي لا تميلون إليها كأنها غير متزوجة وغير
__________________
(١) محرمون بالحج.
(٢) البهائم.