مطلقة ، ولذلك قال الفقهاء إن العدل المأمور به هنا هو العدل في النفقة والقسمة ما يستطيعه الإنسان.
وهكذا نرى القرآن الكريم قد دعا إلى الاستمساك بالعدل في شتى مناحي الحياة ، وأعلمنا أولا أن العدل هو صفة الله جل جلاله ، وهو مهمة رسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم أمرنا بالعدل في الحكم والعمل والقول والكتابة والشهادة والإصلاح بين المتنازعين وتقدير الجزاء ، ومع الزوجة ومع الذين توجد بيننا وبينهم عداوة ، وبهذا تكون دعوة الاسلام إلى العدل دعوة شاملة واسعة النطاق.
ولأن العدل يحتاج إلى دقة ويقظة وتقدير عبّر القرآن الكريم عن العدل بكلمة «الْمِيزان» ، فقال الله ـ تبارك وتعالى ـ : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) وقال (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ).
وقد جاء في «تفسير المنار» العبارة التالية تعليقا على هذه الآية الكريمة : «خير الناس من يصدهم عن الظلم والعدوان هداية القرآن ، ويليهم من يصدهم العدل الذي يقيمه السلطان ، وشرّهم من لا علاج له إلا السيف والسّنان ، وهذا هو المراد بالحديد ، فقوام صلاح العالم بالايمان بالكتاب الذي يحرّم الظلم وسائر المفاسد ، فيتجنبها المؤمن خوفا من عذاب الله في الدنيا والآخرة ورجاء في ثوابه فيهما ؛ وبالعدل في الأحكام الذي يردع الناس عن الظلم بعقاب السلطان.
ويؤيد قاعدة إقامة العدل ما ورد في تحريم الظلم والوعيد الشديد عليه ، فقد ذكر الظلم في مئات من آيات القرآن أسوأ الذكر ، وقرن في بعضها بأسوأ العواقب في الدنيا والآخرة ، وأن الجزاء عليه فيهما أثر لازم له لزوم المعلول للعلة ، والمسبب للسبب ، وأن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ، ومن أثره وعاقبته في الدنيا أنه مهلك الأمم ومخرّب العمران ، قال تعالى :
(وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ). أما ما كان من