فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ، دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ : لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
* *
ويرى الصوفية أن الانابة تستلزم ثلاثة أشياء : أولها : الخروج من التبعات» ، وذلك يكون بالتوبة من الذنوب التي تكون بين العبد وربه ، وبأداء الحقوق التي تكون عليه للخلق ، وثانيها «التوجع للعثرات» ومعناه أن يتوجع قلبه ويتصدع إذا أذنب أو هفا ، لأن هذا الألم هو برهان الانابة والرجوع ، وأما جامد القلب الذي لا يتألم من ذنبه فإنه فاسد الطبع ميت القلب ، وكذلك يتوجع ويتألم إذا رأى أخاه المؤمن قد وقع في إثم ، حتى كأن الشخص المنيب هو الذي ارتكب الإثم ، وثالثها «استدراك الفائتات» أي تدارك ما فاته من قربات وطاعات ، بأن يجتهد في أداء الأعمال الصالحة ، وبذلك الاجتهاد يستدرك ما فات ، ويحيي ما أمات.
ويقول هنا ابن القيم : «ومن علامات الانابة ترك الاستهانة بأهل الغفلة والخوف عليهم ، مع عدم فتح باب الرجاء لنفسك ، فترجو لنفسك الرحمة ، وتخشى على أهل الغفلة النقمة ، ولكن ارج لهم الرحمة ، واخش على نفسك النقمة ، وإن كنت لا بد مستهينا بهم ماقتا لهم ، لانكشاف أحوالهم لك ، ورؤية ما هم عليه ، فكن لنفسك أشدّ مقتا منك ، وكن أرجى لهم لرحمة الله منك لنفسك».
قال بعض السلف : «لن تفقه كلّ الفقه حتى تمقت الناس في ذات الله ، ثم ترجع إلى نفسك فتكون لها أشدّ مقتا. وهذا الكلام لا يفقه معناه إلّا الفقيه في دين الله ، فإن من شهد حقيقة الخلق وعجزهم وضعفهم وتقصيرهم ، بل