الاسلام ، بل تجامع الشرك والكفر ، كما قال تعالى في حق هؤلاء : (ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ، لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) فهذه حالهم بعد إنابتهم.
الانابة الثانية إنابة أوليائه ، وهي إنابة لالهيته إنابة عبودية ومحبة ، وهي تتضمن أربعة أمور : محبته ، والخضوع له ، والاقبال عليه ، والاعراض عما سواه ، فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الاربعة ، وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك.
ويمكن أن نقول بتعبير آخر إن هناك إنابة حقيقية صادقة ، يستجيب صاحبها ويلتزم ويستقيم ، وهناك إنابة ظاهرية قائمة على الكذب والغدر ، وهي الانابة الشكلية التي يلتزم بها لئيم الطبع ، فإذا وجد نفسه في ضيق أو شدة لجأ إلى ربه ، لعلمه بالفطرة أنه الخالق الرازق المعين ، فإذا بلغ اللئيم مأربه ونال مطلبه ، انقلب على وجهه فكان من الخاسرين ، وقد أشار القرآن إلى هذا أيضا في سورة الزمر فقال : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ، ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ، وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ، قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) (١) وهذا الصنف اللئيم يذكرنا بمن قيل فيه :
صلّى وصام لأمر كان يطلبه |
|
فلما انقضى الأمر لا صلّى ولا صاما |
وكأن القرآن الكريم قد أشار إلى أهل الانابتين : الصادقة والكاذبة بقوله في سورة لقمان : (وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ). والختار هو الغدار الجحود.
ويقول مشيرا إلى أهل الانابة الكاذبة في سورة يونس : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ
__________________
(١) خوله نعمة : أعطاه نعمة. وأندادا : أمثالا يعبدها من دون الله تعالى.