إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ ، إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً. وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ ، قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ، وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ : فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ ، وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (١).
والله جل جلاله يبشر عباده المنيبين أحسن البشرى فيقول في سورة الزمر :
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى ، فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ ، وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ).
* *
وقد يظن البعض ان الإنابة والتوبة شيء واحد ، ولكن الانابة منزلة تأتي بعد منزلة التوبة ، فالتوبة هي مفتاح الانابة ، وفي هذا يقول ابن القيم : «من نزل في منزل التوبة وقام في مقامها نزل في جميع منازل الاسلام ، فإن التوبة الكاملة متضمنة لها ، وهي مندرجة فيها .. فإذا استقرت قدمه في منزل التوبة نزل بعده منزل الانابة».
ويرى ابن القيم أن الانابة إنابتان ، ويوضح ذلك بقوله : «الانابة إنابتان : إنابة لربوبيته ، وهي إنابة المخلوقات كلها : يشترك فيها المؤمن والكافر ، والبرّ والفاجر ، قال الله تعالى : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) فهذا عام في حق كلّ داع أصابه ضر ، كما هو الواقع ، وهذه الانابة لا تستلزم
__________________
(١) تسوروا المحراب : علوا سوره ونزلوا إليه. ولا تشطط : لا تكن جائرا في حكمك. وسواء الصراط : وسط الطريق المستقيم. وأكفلنيها : انزل لي عنها. وعزني : غلبني. والخلطاء : الشركاء. وفتناه : امتحناه.