وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ». وأكّد كتاب الله هذا المعنى حين قال في سورة الشورى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ). أي من يتقبل الحقّ ويرفض العناد ، ولهذا كانت الانابة من فضائل الانسان المتدبر المتذكر المعتبر ، فقال القرآن المجيد في سورة غافر : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ). ويقول في سورة ق : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ ، وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ، تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (١)». فكأن الانابة معوان على استجلاء الدلائل المثبوتة في آيات الله الكونية الدالة على جلاله وسلطانه.
* * *
والإنابة تقارن الخشية لله تعالى ، وهذا هو القرآن يتحدث عن ثواب المتقين الذين خشوا ربهم بالغيب ، وكانت قلوبهم قلوبا رجّاعة إلى الله موصولة الأسباب على الدوام بحماه ، فيقول في سورة ق : (واُزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ، هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ ، من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب) (٢). وإذا عمرت الإنابة قلب صاحبها وكانت نتيجة لما تقدّمها من تذكر ، فإنها تقيم الانسان على صراط العدل ، وتغرس فيه نزعة الرجوع السريع إلى الحق ، ولقد أعطانا القرآن المجيد في هذا مثلا كريما يتعلق بنبيّ الله داود عليهالسلام ، حيث يقول القرآن في سورة ص : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ،
__________________
(١) فروج : فتوق وشقوق. ورواسي : جبالا ثوابت. وزوج بهيج : صنف حسن نضر.
(٢) أزلفت : أدنيت وقربت. وأواب : رجاع الى الله. وبقلب منيب : مقبل على طاعة الله.