(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فالله جل جلاله يأمر عبده المستجيب بأن يسلك طريق من رجع إلى الله بالتوحيد والاخلاص في الطاعة ، ومن سلك طريق المنيب فقد صار مثله منيبا ، فكأنه قال له اسلك طريق الانابة وكن منيبا. ومن سمو فضيلة الانابة جعلها الله عزّ شأنه صفة لأنبيائه ورسله ، فقال عن خليل الرحمن إبراهيم في سورة هود : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ). والحليم هو غير العجول على الانتقام من المسيء ، والأواه هو كثير التأوه من الذنوب ، والتأسف على الناس ، والتضرع الى الله ، وكان إبراهيم عليهالسلام منيبا ، أي كثير الرجوع الى الله ، يرجع إليه في كل أمر.
وكذلك قال الله تعالى عن نبيه شعيب عليهالسلام في سورة هود : (قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً ، وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ ، إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ، وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) اي أقبل عليه بكل حسي ونفسي ، واليه وحده أرجع في كل ما نابني من الأمور في الدنيا ، ومنه وحده اطلب ثوابي على اعمالي ، فأنا لا ارجو منكم اجرا ، ولا اخاف منكم ضرّا وعلى ربي أقبل بطاعتي ، كما أرجع اليه بتوبتي.
ويقول القرآن الكريم عن سليمان في سورة ص : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ). ويأمر الله تعالى نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم أن يبلّغ عباده قوله في سورة الشورى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ). أي عليه توكلت واعتمدت في مجامع الأمور ، وإليه أرجع في كل الشؤون.
وقد جعل القرآن الكريم فضيلة الانابة علامة الاهتداء وعنوان الاستقامة على الطريق وشارة الذين يتفكرون ويتدبرون فيعرفون ، فيستجيبون لنداء الحق ودعوة الصدق ، فيقول في سورة الرعد : «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ، قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ ، الَّذِينَ آمَنُوا