التطبيقي للعهد الذي أخذه المنيب على نفسه بأن يستقيم ويلتزم ، وتقتضي أن تكون أحوال الانسان وتصرفاته وسلوكه عنوانا عمليا لخلق الانابة. ومن هنا حسن للامام ابن القيم أن يقول : «فما أناب إلى الله من خان عهده وغدر به ، كما أنه لم ينب اليه من لم يدخل تحت عهده ، فالانابة لا تتحقق إلا بالتزام العهد والوفاء به».
وفضيلة الانابة تنبثق من خلال المعرفة ، فاذا عرف الانسان ربّه ، واستحضر جلاله في صدره ، وتدبر آياته ، دخل باب الانابة ، ولذلك قال الحارث المحاسبي : «المعرفة تورث الإنابة». وقد يؤكد لنا هذا ما روته السنة بشأن حارثة بن سراقة الانصاري ، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقي حارثة هذا ، فقال له : كيف أصبحت يا حارثة؟ فأجابه : أصبحت مؤمنا بالله حقا. فقال الرسول : انظر ما ذا تقول ، فان لكلّ قول حقيقة. فقال حارثة : يا رسول الله ، عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري ، وكأني بعرش ربي عزوجل بارزا ، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وكأني أنظر الى أهل النار يتعاوون فيها. فقال عليه الصلاة والسّلام : يا حارثة ، عرفت فالزم. ثم قال النبي معجبا به : «عبد نوّر الله الايمان في قلبه».
* *
ولقد جاء ذكر الانابة في خمسة عشر موضعا من القرآن الكريم ، والله تبارك وتعالى يدعو اليها عباده وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون ، فيقول لرسوله صلوات الله وسلامه عليه ومن ورائه أتباعه في سورة الروم : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ، فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). ويقول في سورة الزمر : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ). وفي سورة لقمان :