ومن حياتك لموتك».
وروى مسلم والترمذي أن رسول الله عليه الصلاة والسّلام قال : «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ، ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا». ولقد تكررت عبارة : «بادروا بالأعمال» ثلاث مرات فيما قرأنا من الحديث النبوي الشريف.
وفي الحديث أيضا : «من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل». والإدلاج هنا يفيد معنى السير أول الليل ، وفي هذا معنى المسارعة ، لأن المراد من الحديث توجيه الإنسان الى المبادرة بعمل الطاعات قبل فوات الأوان. وكذلك يقول الحديث : «اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك». وفي الاغتنام معنى المسارعة والمبادرة.
وكرام الناس يوصون أنفسهم وغيرهم بأن يتعجلوا خطواتهم نحو عمل الخير قبل أن تعوق العوائق ، فهذا الامام جعفر بن محمد رضي الله عنه يقول : «إن الحاجة تعرض للرجل قبلي (أي جهتي وعندي) فأبادر بقضائها ، مخافة أن يستغني عنها ، أو تأتيه وقد استبطأها ، فلا يكون لها عنده وقع».
وهذا أحد الشعراء يقول في مبادر الى معاونة الأصدقاء :
بدا حين أثرى بإخوانه |
|
ففلّل عنهم شباة العدم |
وذكّره الحزم غبّ الأمور |
|
فبادر قبل انتقال النّعم |
فهذا الممدوح النبيل قد بدأ حين تحقق له الثراء بمعاونة من له من الأصدقاء ، وسارع الى إزالة الفقر عنهم ، فكأنه قد حطم شدة الفقر وأذى العدم عنهم ، وذلك لأن الحزم قد الهمه بأن يتذكر أن العواقب غير مضمونة ، ولذلك بادر بإكرام إخوانه قبل ان تزول من يديه النعم.
وللصوفية حديثهم حين تعرض فضيلة المسارعة الى الخير ، فهذا هو القشيري