كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ».
فالآية تخبرنا بأن شر الناس جزاء وعقوبة ، وأسوأهم مكانا ، وأبعدهم عن الطريق المستقيم وهو الإسلام ، هم أولئك اليهود المذبذبون والمخادعون الذين يسارعون الى الآثام ، ويتسابقون الى أكل الحرام وارتكاب المظالم.
ومن هذا البيان القرآني عن المسارعين الى الشر نفهم أن هؤلاء إما أن يكونوا من الكافرين ، وإما أن يكونوا من المنافقين ، وإما أن يكونوا من اليهود ، وكل صنف من الأصناف الثلاثة مذؤوم مذموم أشد الذم في بيان القرآن الكريم.
* *
وإذا كان كتاب الله تعالى قد عني بفضيلة المسارعة الى الخير كل هذه العناية ، فقد جاءت السنة المطهرة من وراء القرآن تتابعه وتشايعه ، فإذا هي تزكّي أقوى التزكية المسارعة الى الخير ، والمبادرة إلى الطاعات ، فهذا هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمنكبي فقال : «كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل وعدّ نفسك من أهل القبور».
والمعنى : كن كشخص اغترب لحاجة ، فإذا قضاها سارع بالعودة الى وطنه أو كن في الدنيا كالمار في الطريق لا يتلبث ولا يتوقف ، واعدد نفسك ضمن الذين ماتوا ورحلوا ، والمراد من الحديث هو الحث على المسارعة بالأعمال الصالحة فالمستقبل مجهول : (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
ولذلك كان ابن عمر يروي هذا الحديث ثم يقول : «إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ،