فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد ، من غير عكس ، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر ، من غير عكس ، فإن الشكر يقع بالجوارح ، والحمد يقع باللسان».
وسواء أكان هناك بين الحمد والشكر هذا الفرق أو ذاك ، نجد الحمد عماد الشكر ، لأن الحديث يقول : «الحمد رأس الشكر ، ما شكر الله عبد لا يحمده» وفي رواية أخرى : «الحمد رأس الشكر ، فمن لم يحمد الله لم يشكره». ويقول عبد الله بن عباس : «الحمد كلمة كل شاكر».
وقد يخيل إلى بعض الناس في فهمهم لمعنى الحمد أنه مقصور على ترديد كلمة «الحمد» وما تصرف من مادتها باللسان فقط ، ولكن الحمد عند فقهاء الأخلاق ، وفي مجال الحديث عن أخلاق القرآن هو أن يدرك الإنسان مكانة النعمة ، فيستريح إليها ، ويعرف لها حقها ، فيقدرها قدرها ، ويشعر في قلبه وعقله بالفضل فيها ، ويترجم عن هذا بلسانه مثنيا ، وبأعماله عابدا طائعا ، ولذلك يقول الرازي : «الحمد عبارة عن صفة القلب ، وهي اعتقاد كون ذلك المحمود متفضلا منعما ، مستحقا للتعظيم والإجلال ؛ فإذا تلفظ الإنسان بقوله : أحمد الله ، مع أنه كان قلبه غافلا عن معنى التعظيم اللائق بجلال الله كان كاذبا ، لأنه أخبر عن نفسه بكونه حامدا ، مع أنه ليس كذلك». بل كأن الرازي يرى أن الإنسان إذا لم يحقق الشعور بالحمد في نفسه كان كالحيوان غير المكلّف ، فيقول فيما يقول : «وما لم يحصل شعور الإنسان بوصول النعمة إليه امتنع تكليفه بالحمد والشكر». ويضيف : «حمد المنعم عبارة عن كل فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما ، وذلك الفعل إما أن يكون فعل القلب ، أو فعل اللسان ، أو فعل الجوارح. أما فعل القلب فهو أن يعتقد فيه كونه موصوفا بصفات الكمال والإجلال ، وأما فعل اللسان فهو أن يذكر ألفاظا دالة على كونه موصوفا بصفات الكمال ، وأما فعل الجوارح فهو أن يأتي بأفعال دالة على كون