فيقول في ختام سورة النحل : (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ). ويذكر أيضا ان من شأن التقوى ان يكون صاحبها يقظا فطنا ، فيقول في سورة الأحزاب مخاطبا نساء النبي صلىاللهعليهوسلم (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً). ثم يذكر في سورة آل عمران مجموعة من علامات التقوى ، فيورد ستّ علامات أو صفات ، وهي الانفاق في حالتي الغنى والضيق ، وكظم الغيظ وهو أشد حالات الغضب ، أي إمساك ما في النفس بالصبر ، ولذلك يروى أن خادما للسيدة عائشة غاظتها يوما فقالت عائشة : «لله درّ التقوى ، ما تركت لذي غيظ شفاء». والعلامة الثالثة للمتقين العفو عن الناس ، وترك مؤاخذتهم على هفواتهم ، والعلامة الرابعة الإحسان ، والخامسة المسارعة إلى الاستغفار من الذنب ، والسادسة عدم الإصرار على المعصية ولو صغرت ، يقول الله تعالى في ذلك :
(وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ، وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ، أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).
وحينما تعرض السيد رشيد رضا لهذه الآيات في تفسيره ذكر أن هناك مرتبة دنيا لعامة المؤمنين المتقين المستحقين للجنة ، وهي أن يتذكروا عند الذنب : النّهي والعقوبة ، فيسارعوا إلى التوبة ، ثم يشير إلى أن هناك مرتبة أسمى من المرتبة السابقة فيقول : «ومرتبة عليا لخواصّ المتقين ، وهي ان يذكروا إذا فرط منهم ذنب ذلك المقام الإلهي الأعلى المنزّه عن النقص الذي هو مصدر كل كمال ، وما يجب من طلب قربه بالمعرفة والتخلق الذي هو منتهى الآمال ، فإذا هم تذكروا انصرف عنهم طائف الشيطان ، ووجدوا نفس الرحمن ، فرجعوا إليه طالبين مغفرته : راجين رحمته ، ملتزمين سنته ، واردين شرعته ، عالمين