وكلمة «التقوى» تذكّرنا ـ من ناحية مادتها اللغوية ، وحروفها الأصلية وهي القاف والواو والياء ، مع ملاحظة التقدم والتأخر فيما بينها ـ بثلاثة معان : الأول معنى القوة مادية كانت أم معنوية ، والثاني معنى الوقاية التي تحقق الحصانة والأمن ، والثالث معنى الاتقاء الذي هو التباعد والاجتناب. وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه المعاني الثلاثة ، فذكر القوة المعنوية والمادية في مثل قوله : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) أي بقوة قلب ، وقيل بجد واجتهاد في العمل به. وفي مثل قوله في سورة البقرة : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
وقد تحدث القرآن الكريم عن الوقاية التي تحقّق الحصانة عن طريق التقوى ، فقال في سورة غافر : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ). وقال في سورة الطور : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ، فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ). وقال أيضا على لسان المؤمنين : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ). وقال في سورة الانسان : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً). وقد أكد الحديث الشريف معنى الوقاية التي تحقق الحصانة والصيانة عن طريق التقوى ، فجاء فيه : «فوقى أحدكم وجهه من النار» أي حفظه وصانه من عذابها بالطاعة وعمل الخير. وجاء فيه : «من عصا الله لم تقه من الله واقية» أي لم يكن من أهل السلامة والأمان. وفي كلام الإمام علي رضي الله عنه : «كنا إذا اشتد البأس واحمرّ الحدق اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوسلم». أي جعلناه حصانة لنا ووقاية.
ويرى المرحوم الرافعي أن كلمة «التقوى» لا تفسرها بالتحديد والتعيين إلا كلمة «الخلق الثابت» وأن خير الأمم هي التي توطد دعائم مجتمعها بهذا الخلق الثابت «فإن مرجع التقوى في مظاهرها الاجتماعية إلى شيئين : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما المبدأ والغاية لكل قوانين الآداب والاجتماع ، ثم مرجعها في حقيقة نفسها إلى شيء واحد ، وهو الايمان بالله. فالأمة التي