مكروه اختلفت أساميه عند الناس باختلاف المكروه الذي غلب عليه الصبر ، فإن كان في مصيبة اقتصر على اسم الصبر ، وتضاده حالة تسمى الجزع والهلع ، وهو إطلاق داعي الهوى ليسترسل في رفع الصوت وضرب الخدود وشقّ الجيوب وغيرها ، وإن كان في احتمال الغنى سمي ضبط النفس ، وتضاده حالة تسمى البطر ، وإن كان في حرب ومقاتلة سمي شجاعة ويضاده الجبن ، وإن كان في كظم الغيظ والغضب سمي حلما ويضاده التذمر.
وإن كان في نائبة من نوائب الزمان مضجرة سمّي سعة الصدر ، ويضاده الضجر والتبرم وضيق الصدر ، وإن كان في إخفاء كلام سمي كتمان السر ، وسمي صاحبه كتوما ، وإن كان عن فضول العيش سمي زهدا ، ويضاده الحرص ، وإن كان صبرا على قدر يسير من الحظوظ سمي قناعة ويضاده الشره.
فأكثر أخلاق الايمان داخلة في الصبر ، ولذلك لما سئل عليهالسلام مرة عن الايمان قال : «هو الصبر» ، لأنه أكثر أعماله وأعزها ، كما قال : «الحج عرفة» وقد جمع الله تعالى أقسام ذلك ، وسمى الكل صبرا ، فقال تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ) (أي في المصيبة) والضراء (أي الفقر) وحين البأس (أي المحاربة) أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون».
وقد رأينا الغزالي يذكر في صدر حديثه هنا أن الصبر عن شهوة البطن والفرج يسمى عفة ، وشهوة الفرج أطغى من شهوة البطن عند ثوران الرغبة في الرذيلة وتوافر القدرة عليها ، ولذلك نقل ابن القيم عن شيخه ابن تيمية أن صبر يوسف الصديق على اجتناب الفاحشة مع امرأة العزيز كان أكمل من صبره على إلقاء أخوته له في الجب ، وبيع من وجدوه له ، وافتراقه عن أبيه ، لأن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره ، وأما صبره عن الفاحشة فكان باختياره ورضاه ، وقد حارب الاستجابة للفاحشة بالصبر الجميل والتعفف النبيل ، مع وجود الكثير من الأسباب الداعية الى المسارعة بالإقبال على المعصية ، فهو شاب والشباب كما قيل شعلة من الهوى والرغبة ، وهو حينئذ غريب ، والغريب ، أخلاق القرآن ـ (١٣)