عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ، وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : «يعجبني من الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول : لا بملء فيه».
ولم يكتف القرآن العزيز بتحريض المؤمنين على إباء الضيم وإيثار العزة تحريضا يقوم على الأمر الصريح أو التوجيه المباشر ، بل عمد إلى ضرب الأمثال من الأمم السابقة التي استجابت لدعوات الحق ، وتابعت رسل الله جل جلاله ، واستشعرت العزة ، وتمردت على المذلة ، فكان جزاؤها كريما ، وثوابها عظيما ، حيث خاضت المعارك من أجل عقيدتها ، ومبدئها ، ولم تهن أو تضعف ، بل صبرت وصابرت ، وكافحت وناضلت ، حتى ظفرت وانتصرت ، وذلك فضل الله القوي الذي يحب الأقوياء الشرفاء ، العزيز الذي ينصر من استمسك بالعز والإباء ، يقول القرآن :
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ (١) ، فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا ، وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ، وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا : رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا ، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا ، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ، فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ ، وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
* * *
وفي نور النبوة الرائع ما يهدي أتباع محمد عليه الصلاة والسّلام إلى منهج الشرف وطريق الكرامة وصراط العزة ، فإن هذا الهدي النبوي الكريم يعلّم الإنسان أن لا يرضى الدنية في دينه ولا في دنياه ، بل يحفظ لنفسه حقّها ويذود عن هذا الحق ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، فإن مات دونه فهو شهيد ،
__________________
(١) الربيون والربانيون : المنسوبون إلى الله لإيمانهم وحكمتهم.