الأحنف». جاء فتعلم الحلم من قيس ، حتى قال : «لقد اختلفنا إلى قيس بن عاصم في الحلم كما نختلف الى الفقهاء في الفقه». وقيل للأحنف : هل رأيت أحلم منك؟. فقال : نعم ، وتعلمت منه الحلم. قيل : ومن هو؟. قال قيس بن عاصم المنقري ، وقص القصة السابقة.
ومن الحلم المثالي للأحنف أن رجلا تبعه بالشتم حتى بلغ الأحنف حيّه ، فقال للرجل السباب : يا هذا ، إن كان بقي في نفسك شيء فهاته وانصرف لا يسمعك بعض سفهائنا فتلقى ما تكره.
* *
ولقد عرف الحكماء منذ أقدم الأزمان مكانة الحلم وفضله ، فقالوا فيه كثيرا ، وهذا لقمان الحكيم يقول : «ثلاث من كن فيه فقد استكمل الايمان : من إذا رضي لم يخرجه رضاه الى الباطل ، وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق ، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له». واتفق سفيان الثوري وأبو خزيمة اليربوعي والفضيل بن عياض على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب ، والصبر عند الجزع.
ولعل أوضح ثمرات الحلم هو تجنب الظلم ولو قلّ ، والتباعد عن الاستجابة لهوى النفس الغاضبة ، ولقد روي عن خامس الراشدين الحاكم العادل عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليه أنهم جاءوا اليه برجل قد ارتكب خطأ ، وكان عمر غاضبا ، فقال له عمر : لو لا أني غضبان لعاقبتك. وكان خامس الراشدين إذا أراد معاقبة رجل حبسه ثلاثة أيام ، فإن أراد بعد ذلك أن يعاقبه عاقبه ، كراهة أن يعجل عليه في أول غضبه.
وليس الحلم رضى بالذل ، أو تقبلا للهوان ، وإنما هو ترفع عن الاستجابة للنزوة ، أو التأثر بالوسوسة أو مقابلة السوء بمثله ، وإلى ذلك أشار الغزالي حين قال إنه لا تجوز مقابلة الغيبة بالغيبة ، ولا مقابلة التجسس بالتجسس ، ولا السب