يعاقب عليه ، وقد قيل لذي النون : متى يكون العبد خائفا؟. فقال : إذا نزّل نفسه منزلة السقيم الذي يحتمي مخافة طول السقام.
والخوف من الله ليس هربا منه ، أو إعراضا عنه ، بل هو قوة احساس بعظمته وهيبته ، وجلاله وحقّه ، وقوة عزيمة في الإقبال عليه ، ليكون الانسان أهلا لقبوله ومرضاته ، فاذا صدقت في خوفك من الله زدت لجوءا إليه واعتصاما بحبله ، وذلك بخلاف خوفك من غيره ، فالانسان إذا خاف شيئا آخر غير الله بعد عنه وهرب منه.
والصادق في خوفه من الله يبذل غاية جهده في التحرر من المعصية ، وفي القيام بالطاعات والقربات ، ومع ذلك يخاف ألّا يبلغ بجهده وعمله مرتبة المقبولين الذين يقول الله تعالى فيهم : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) ولقد جاء في السنة المطهرة أن السيدة عائشة رضي الله عنها سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) فقالت : يا رسول الله ، قول الله : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟. قال : لا يا ابنة الصدّيق ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ، ويخاف أن لا يقبل منه.
وقد قال الحسن في شأن هؤلاء : عملوا والله بالطاعات ، واجتهدوا فيها ، وخافوا أن تردّ عليهم ، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا.
* *
والدواعي التي تدعو الانسان الى استشعار الخوف من الله جلّ جلاله كثيرة ، وقد أحصى حجة الاسلام الغزالي مجموعة منها ، فذكر أن هناك مكروهات كثيرة يخافها الناس ، كالذين يغلب عليهم خوف الموت قبل التوبة ، أو خوف نقض التوبة بعد القيام بها ، ونكث العهد بعد