رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ). كان الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يدعو ربه تعالى فيقول : «رب اجعلني لك ، شكارا لك ، ذكارا لك (١)».
والقرآن يحدثنا كذلك بأن الشكر صفة الأنبياء ، فهو إذن خلق من أخلاق النبوة ، يقول الله تعالى في سورة النحل : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). ويقول في سورة الاسراء : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً). ويقول في سورة النمل عن سليمان : (قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ). وقال عنه أيضا : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ ، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ).
وإذا كان أول من يشكر هو الله ـ جل جلاله ـ لأنه صاحب الفضل والنعمة والمنة ، ولا منعم في الحقيقة سواه ، فإن شكر الوالدين يأتي عقب ذلك ، ولعل هذا هو ما يشير اليه قوله تعالى : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ، وهو أيضا المفهوم من قوله عز من قائل : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً). وشكرهما يكون بطاعتهما وتوقيرهما ، والاحسان في الأعمال والأقوال إليهما ، وعدم إيذائهما ولو بأقل لفظ ، وخفض جناح الذل لهما تأدبا ، ورحمتهما وهما كبيران ، والدعاء لهما ، وصلة رحمهما ، وبرّ من يحبان أو يعاونان ... الخ.
ثم يأتي شكران الناس ، لأن القرآن الكريم يقول : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)؟ ويقول أيضا : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها).
ولقد عنيت السنة النبوية المطهرة بالحث على شكر الناس ، فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «من لم يشكر الناس لم يشكر الله» لأن الذي لا
__________________
(١) شكارا ذكارا : كثير الشكر والذكر لك.