«السكينة» في آية البقرة ضمن المعنى الذي فهمناه للسكينة في الآيات الأخرى السابقة.
* *
وقد ذكر الامام الهروي أن السكينة ـ في عرف الصوفية ـ هي التي تنطق على لسان المحدّثين ـ بفتح الدال المشددة وإنما هي شيء من لطائف صنع الحق ، تلقي على لسان المحدّث ـ بفتح الدال المشددة ـ الحكمة وتنطق بنكت الحقائق ، مع استرواح الأسرار وكشف الشبهات ، لأن السكينة إذا عمرت القلب اطمأن بها «وخشعت الجوارح ، وجاء الوقار ، ونطق اللسان بالحكمة والصواب دون تكلف او تعمد ، وتجنب الباطل من القول.
والسكينة ـ كما يقول الامام ابن القيم ـ من أعظم مواهب الحق سبحانه ومنحه ، ومن أجل عطاياه ، ولهذا لم يجعلها في القرآن إلا لرسوله صلىاللهعليهوسلم ، فمن أعطيها فقد خلعت عليه خلع الولاية وأعطي منشورها ، وهذا القول له ما يسوغه ، لأن السكينة تورث الانسان خشوعا في الطاعة ، ويقظة في العبادة ، وتعظيما للمعبود جل جلاله ، كما تورثه محاسبة النفس ، ومراقبة الخالق ، وحسن معاملة الخلق ، والرضا بالقضاء ، وتورثه أن يجعل عقله أمام لسانه ، فلا ينطق إلا بميزان ، وتورثه ألا يكون عبدا لشهوته او انفعاله او عاطفته ، بل هو يتلبث ويتريث ولا يتصرف إلا بحكمة ، ولا يتحرك إلا على نور.
وصاحب فضيلة السكينة تتكشف له دلائل الايمان وحقائق اليقين ، ويظهر له الفرق الجليّ بين الحق والباطل وبين الهدى والضلال ، وبين الغيّ والرشد ، ويزداد ايمانا على ايمانه كما قال الله جل جلاله ، وانما يستحق هذه السكينة أهلوها والصالحون لها ، والمخلصون في الاهتداء الى طريقها ، ولذلك قال القائل الحكيم :