(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ).
ومعنى السكينة المتبادر للذهن هنا هو أن الله تعالى جعل التابوت الذي أرسله اليهم سبب سكون واطمئنان لقلوبهم ، وقد قال ابن عطية : الصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء وآثارهم ، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى. فالسكينة هنا يراد بها أيضا معنى الطمأنينة والسكون.
ولكنه قد وردت أقوال كثيرة مختلفة متعارضة في تفسير «السكينة» في هذه الآية ، فقيل إنها خلق رقيق كالريح والهواء ، وقيل إنها ريح خجوج (أي شديدة المرور في غير استواء) ، وقيل إن السكينة هنا حيوان له وجه كوجه الانسان ، وقيل هي صورة كالهرة كانت معهم في جيوشهم ، فإذا ظهرت انتصروا ، وقيل إنها شيء رأسه كرأس الهر ، وقيل إنها صورة هرة لها جناحان ، وعينان لهما شعاع وجناحان من زمرد وزبرجد ، فإذا سمعوا صوتها أيقنوا بالنصر ، وقيل هي طست من ذهب من الجنة كان يغسل فيها قلوب الأنبياء ، وقيل هي روح من روح الله تتكلم ، اذا اختلفوا في شيء أخبرتهم ببيان ما يريدون ، وقيل إنها ريح هفافة لها رأسان ووجه كوجه الانسان ، وقيل إنها ملك يسكن قلب المؤمن ويطمئنه ... الخ.
وقد جاء في «تفسير المنار» أن أكثر الأقوال في «السكينة» هنا لا يدل عليه نقل ، ولا يقبله عقل ، كما أن الأصفهاني حكم على بعض هذه الأقوال بأنه قول لا يصح. ولعل من خير الأقوال في السكينة هنا قول عطاء :
«إن السكينة هنا هي الشيء الذي تسكن اليه النفوس من الآيات».
وكذلك قال أبو بكر الأصم : «فيه سكينة من ربكم ، أي تسكنون عند مجيئه لأنهم متى جاء التابوت من عند ربهم وشاهدوه سكنت قلوبهم». وكذلك قال الرازي إن السكينة هنا عبارة عن الأمن والثبات ، وعلى ذلك تدخل كلمة