ولم ينتفعوا بهدي القرآن حين ذكّر الناس بأن الفرار رذيلة منكرة ، ومع ذلك لا تجدي ولا تنفع ، كما قال الله تعالى في سورة الأحزاب : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً).
وكما قال في سورة الجمعة : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ).
والصوفية على طريقتهم في فلسفة الأخلاق ـ يصورون الثبات تصويرا خاصا له صلته بعلاقة الانسان المتعبد بربه المعبود جل جلاله ، فيقول مثلا محمد ابن الفضل البلخي : «أصل الثبات على الحق دوام الفقر الى الله تعالى».
ولعل هذا يذكر بقول ابن عطاء الله السكندري :
«افضل الطاعات مراقبة الحق على دوام الأوقات».
وقد عرف رجال هذه الأمة ما للثبات في مواقف الهول من مكانة ومنزلة ، وهذا شاعر يصف مجاهدا شهيدا فيقول فيه :
وقد كان فوت الموت سهلا فردّه |
|
اليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر |
ونفس تعاف الضيم حتى كأنه |
|
هو الكفر يوم الرّوع أو دونه الكفر |
فأثبت في مستنقع الموت رجله |
|
وقال لها : من تحت أخمصك الحشر |
تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى |
|
لها الليل إلا وهي من سندس خضر |
وهذا شجاع ثابت آخر يقول عن ثباته :
فإن تكن الأيام فينا تبدلت |
|
بنعمى وبؤسى والحوادث تفعل |
فما ليّنت منا قناة صليبة |
|
ولا ذللتنا للذي ليس يجمل |
ولكن صحبناها نفوسا أبيّة |
|
تحمّل ما لا يستطاع فتحمل |
إن افضل زينة للمجاهد المؤمن هو أن يتحلى على الدوام بخلق الثبات.