المؤذنين بلفظ الجمع إخراجاً للكلام مخرج العادة ، فإنّ المتوارث فيه اجتماعهم لتبليغ أصواتهم إلى أطراف المصر الجامع انتهى .
ففيه دليل على أنّه غير مكروه لأنّ المتوارث لا يكون مكروهاً (١) .
وبذلك قد عرفت بأنّ ما حكاه الإمام مالك عن عمر لم يكن من منفرداته ، بل إنّ النصوص التي سبقته والأحداث المتتالية التي جاءت بعده من قبل الخلفاء والأمراء العباسيين والسلجوقيين وغيرهم هي التي يعتمد عليها الشيعة وغيرهم للطعن في شرعية التثويب .
بل إنّ إجماع الفرق الشيعية الثلاث : زيدية ، وإسماعيلية ، وإمامية اثني عشرية على رفع عمر للحيعلة الثالثة ووضعه الصلاة خير من النوم في الأذان يؤكّد وجود ترابط عقدي بين رفع الحيعلة ووضع التثويب عند عمر بن الخطاب وأنصاره .
كما أنّ فكرة التثويب أخذت تتطور شيئاً فشيئاً حسبما عرفت فإنّ كلّ شيء أخذ يتغيّر بعدما تصدّى الخلفاء للخلافة تاركين عترة الرسول (أحد الثقلين) ، وقد صحّ ما تنبأ به الإمام علي في الخطبة الشقشقية من اقتحام الأمُّة الإسلامية المهالك لاتخاذهم الرأي وابتعادهم عن النَّصّ الشرعي ، فقال عليهالسلام : فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض ... (٢) .
بلى ، إنّ الذي يريد اتّهام الشيعة في التقول على عمر عليه أوّلاً اتهام الإمام مالك بن أنس قبل ذلك متسائلين هل أنّ الإمام مالك ثقة عنده أم لا ؟
______________________
(١) الدر المختار لابن عابدين الحنفي .
(٢) انظر منع تدوين الحديث لنا : ٢٨٨ .