كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢))
يقول الحق جل جلاله : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) بصالح عليهالسلام ؛ لأنّ من كذّب واحدا فقد كذّب الجميع ؛ لاتفاقهم فى الشرائع ، أو : كذّبوا بالإنذارات والمواعظ التي يسمعونها من صالح ، (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا) أي : كائنا من جنسنا ، وانتصابه بفعل يفسره «نتبعه» أي : أنتبع بشرا منا (واحِداً) منفردا لا تباعة له؟ أو : واحدا من النّاس لا شرف له (نَتَّبِعُهُ) وندع ديننا؟ (إِنَّا إِذاً) أي : على تقدير اتباعنا له ، وهو مفرد ونحن أمة جمة (لَفِي ضَلالٍ) عن الصواب (وَسُعُرٍ) نيران تحرق ، جمع «سعير». كان صالح يقول لهم : إن لم تتبعونى كنتم فى ضلال عن الحق ، وصرتم إلى سعير ، ونيران تحرق ، فعكسوا عليه ، لغاية عتوهم ، وقالوا : إن اتبعناك كنا كما تقول. وقيل : المراد بالسعر : الجنون ، لأنها تشوه صاحبها ، أنكروا أن يكون الرّسول بشرا ، وطلبوا أن يكون من الملائكة ، وأنكروا أن تتبع أمة واحدا ، أو : رجلا لا شرف له فى زعمهم ، حيث لم يتعاط معهم أسباب الدنيا. ويؤيد التأويل الثاني قولهم : (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ) أي : الوحى (عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة؟ (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) أي. بطر متكبر ، حمله بطره وطلبه التعظيم علينا على ادعائه ذلك.
قال تعالى : (سَيَعْلَمُونَ غَداً) أي : عن قريب ، وهو عند نزول العذاب بهم ، أو يوم القيامة ، (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) أصالح أم من كذّبه؟ وقرأ الشامي وحمزة بتاء الخطاب ، على حكاية ما قاله صالح مجيبا لهم. (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) ؛ باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا ، (فِتْنَةً لَهُمْ) ؛ ابتلاء وامتحانا لهم ، مفعول له ، أو : حال ، (فَارْتَقِبْهُمْ) ؛ فانتظرهم وتبصّر ما هم صانعون (وَاصْطَبِرْ) على أذاهم ، ولا تعجل حتى يأتيك أمرى.
(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) ؛ مقسوم بينهم ، لها شرب يوم ، ولهم شرب يوم ، وقال : «بينهم» تغليبا للعقلاء. (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) ؛ محضور ، يحضر القوم الشرب يوما ، وتحضر النّاقة يوما ، (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) قدار بن سالف ، حمير ثمود ، (فَتَعاطى) ؛ فاجترأ على تعاطى الأمر العظيم ، غير مكترث به ، (فَعَقَرَ) الناقة ، ، أو : فتعاطى النّاقة فعقرها ، أو : تعاطى السيف فقتلها ، والتعاطي : تناول الشيء بتكلف. وقال أبو حيان : هو مضارع عاطا ، وكأنّ هذه الفعلة تدافعها النّاس بعضهم بعضا ، فتعاطاها قدار وتناول العقر بيده. ه.