مكان المضمر ؛ ليشمل ذكورهم وإناثهم ، صغيرهم وكبيرهم. روى : أنهم كانوا يتداخلون الشّعاب ، ويحفرون الحفر ، ويندسون فيها ، ويمسك بعضهم ببعض ؛ فتزعجهم الرّيح ، وتصرعهم موتى.
قال ابن إسحاق : ولمّا هاجت عليهم الرّيح ، قام سبعة نفر من عاد ؛ [فأولجوا] (١) العيال فى شعب بين جبلين ، ثم اصطفوا على باب الشعب ، ليردوا الرّيح عنهم ، فجعلت الرّيح تجعفهم (٢) رجلا رجلا. ه. ثم صاروا بعد موتهم (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أي : أصول نخل منقلع من مغارسه ، وشبهوا بأعجاز النّخلة ، وهى أصولها التي قطعت رؤوسها ؛ لأنّ الرّيح كانت تقطع رؤوسهم ، فتبقى أجسادا بلا رؤوس ، فيتساقطون على الأرض أمواتا ، وهم جثث طوال. وتذكير صفة النّخل بالنظر إلى اللفظ ، كما أن تأنيثه فى قوله تعالى : (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٣) بالنظر للمعنى. (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ)؟! تهويل وتعجيب من أمرهما بعد بيانهما ، فليس فيه شائبة تكرار ، وما قيل : من أن الأول لما حاق بهم فى الدنيا ، والثاني لما يحيق بهم فى الآخرة ، يرده ترتيب الثاني على العذاب الدنيوي. (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)؟! وفى تكريره بعد كلّ قصة ؛ تنبيه على أن إيراد قصص الأمم إنما هو للوعظ والتذكار ، وللانزجار عن مثل فعلهم ، لا لمجرد السماع والتلذذ بأخبارهم ، كما هى عادة القصاص.
الإشارة : من شأن النّفوس العاتية المتجبرة العادية ؛ تكذيب أهل الخصوصية كيفما كانوا ، ولا ترضى بحط رأسها لمن يدعوها إلى ربها ، فيرسل الله عليهم ريح الهوى والخذلان ، فتصرعهم فى محل الذل والهوان ، وتتركهم عبيدا لنفوسهم الخسيسة ، وللدنيا الدنية ، فكيف كان عذابى لهؤلاء وإنذارى لهم؟!. ولقد يسرنا القرآن للذكر ، وبيّنا فيه ما فعلنا بأهل التكبر والعناد من الإهانة والطرد والإبعاد ، فهل من مدكر ، يتيقظ من سنة غفلته ، ويرحل من دنياه لآخرته ، ومن نفسه إلى ربه؟.
ثم ذكر قصة ثمود ، فقال :
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ
__________________
(١) فى الأصول : [فألجوا].
(٢) تجعفهم : تصرعهم.
(٣) من الآية ٧ من سورة الحاقة.