سورة الزمر
مكية ، إلا قوله : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) .. إلى قوله : (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (١) فإنها نزلت فى وحشىّ ، قاتل حمزة (٢). وهى خمس وسبعون آية فى مصحف البصرة ، واثنان وسبعون فى مصحف الكوفة. ومناسبتها لما قبلها قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٣) ، فإنه عين التنزيل الذي صدّر به ، حيث قال :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ...)
قلت : (تَنْزِيلُ) : خبر ، أي : هذا تنزيل ، و «من الله» : صلة لتنزيل ، أو : خبر ثان ، أو : حال من التنزيل ، عاملها : معنى الإشارة.
يقول الحق جل جلاله : هذا الذي تتلوه هو (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) ، نزل (مِنَ) عند (اللهِ الْعَزِيزِ) فى سلطانه (الْحَكِيمِ) فى تدبيره. وإيثار الوصفين للإيذان بجريان أثريهما فى الكتاب ، بجريان أحكامه ونفوذ أوامره ونواهيه. (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) : ليس بتكرر ؛ لأن الأول كالعنوان للكتاب ، والثاني لبيان ما فى الكتاب. قال أبو السعود : والمراد بالكتاب : القرآن ، وإظهاره على تقدير كونه هو المراد بالأول ؛ لتعظيمه ومزيد الاعتناء بشأنه. والباء إما متعلقة بالإنزال ، أي : بسبب الحق وإظهاره ، أو : بداعيته واقتضائه ، وإما بمحذوف هو حال من نون العظمة ، أو : من الكتاب ، أي : أنزلناه إليه محقين فى ذلك ، أو : ملتبسا بالحق والصواب ، أي : ما فيه حق لا ريب فيه موجب العمل به حتما. قال القشيري : بالحق ، أي : بالدين الحق والشرع الحق ، وأنا محق فى إنزاله.
__________________
(١) الآيات : ٥٣ ـ ٥٥.
(٢) عزاه السيوطي فى الدر (٥ / ٦٠٢) لابن النّحاس فى تاريخه ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما.
(٣) الآية : ٨٧ من سورة (ص).