سورة الحجرات
مدنية. وهى ثمانى عشرة آية. ومناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لمّا مدح الصحابة ، وبشّرهم بالمغفرة ؛ علّمهم الأدب ؛ لأنه من أعظم أسباب المغفرة والقرب ، فقال :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣))
يقول الحق جل جلاله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، تصدير الخطاب بالنداء ، تنبيه المخاطبين على أنّ ما فى حيّزه أمر خطير يستدعى اعتنائهم بشأنه ، وفرط اهتمامهم بتلقيه ومراعاته ، ووصفهم بالإيمان لتنشيطهم ، والإيذان بأنه داع إلى المحافظة عليه ووازع عن الإخلال به ، (لا تُقَدِّمُوا) أي : لا تفعلوا التقديم ، على ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل من غير اعتبار تعلقه بأمر من الأمور ، على طريقة قولهم : فلان يعطى ويمنع ، أو : لا تقدّموا أمورا من الأمور ، على حذف المفعول ، للعموم ، أو : يكون التقديم بمعنى التقدم ، من «قدّم» اللازم ، ومنه : مقدمة الجيش ، للجماعة المتقدّمة ، ويؤيده قراءة من قرأ : (لا تقدّموا) (١) بحذف إحدى التاءين ، أي : لا تتقدموا (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) ، أي : لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به ، وحقيقة قولك : جلست بين يدى فلان : أن تجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبا منه ، فسميت الجهتان يدين ؛ لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما ، توسعا ، كما يسمّى الشيء باسم غيره إذا جاوره.
__________________
(١) وهى قراءة يعقوب ، أحد القراء العشرة. انظر الإتحاف (٢ / ٤٨٥).