سورة الذّاريات
مكية. وهى ستون آية. ومناسبتها لما قبلها ما ختمت به من قوله تعالى : (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) (١) ، فأقسم سبحانه فى صدر هذه السورة إنه لواقع ، حيث قال :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦))
يقول الحق جل جلاله : (وَالذَّارِياتِ) ؛ الرياح الذاريات ؛ لأنها تذرو التراب والحشيش وغير ذلك ، يقال : ذرت الرّياح تذرو ذروا ، وأذرت تذرى ، و (ذَرْواً) : مصدر ، والعامل فيه اسم الفاعل. (فَالْحامِلاتِ وِقْراً) ، أي : السحاب الحاملة للأمطار ، أو : الرياح الحاملة للسحاب الموقورة بالماء. وقال ابن عباس : السفن الموقورة بالناس ، ف «وقرا» : مفعول بالحاملات ، (فَالْجارِياتِ يُسْراً) أي : السفن الجارية فى البحر والرّياح الجارية فى مهابها ، أو السحاب الجارية فى الجو تسوق الرّياح ، أو : الكواكب السيارة الجارية فى مجاريها ومنازلها بسهولة ، (يسرا) : نعت لمصدر محذوف ، أي : جريا ذا يسر.
(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) أي : الملائكة التي تقسم الأمور الغيبية من الأمطار والأرزاق والآجال ، والخلق فى الأرحام ، وأمر الرّياح ، وغير ذلك ؛ لأن هذا كله إنما هو بملائكة تخدمه ، ف «أمرا» هنا جنس ، وأنّث «المقسّمات» ؛ لأن المراد الجماعات ، ويجوز أن يراد الرّياح فى الكل ، فإنها تنشئ السحاب ، وتقلّه ، وتصرّفه ، وتجرى به فى الجو جريا سهلا ، وتقسّم الأمطار بتصريف السحاب فى الأقطار. ومعنى الفاء على الأول : أنه تعالى أقسم بالرياح ، فبالسحاب التي تسوقه ، فبالفلك الجارية بهبوبها ، فبالملائكة التي تقسم الأرزاق ، وعلى الثاني : أنها تبتدئ بالهبوب ، فتذرو التراب والحصباء ، فتقل السحاب ، فتجرى فى الجو باسطة له ، فتقسّم المطر.
وقال أبو السعود : فإن حملت الأمور المقسم بها على ذوات مختلفة ، فالفاء لترتيب الإقسام باعتبار ما بينها فى التفاوت فى الدلالة على كمال القوة ، وإلا فهى لترتيب ما صدر عن الرّيح من الأفاعيل ، فإنها تذرو الأبخرة إلى الجو حتى تنعقد سحابا ، فتجرى به باسطة له إلى ما أمرت به ، فتقسم المطر. ه.
__________________
(١) من الآية ٤٤ من سورة «ق».