سورة محمّد (١)
مدنية. وهى ثمان وثلاثون آية ، ومناسبتها لما قبلها : قوله : (فهل يهلك إلا القوم الفاسقون) ، فإنهم الكفرة الذين أشار إليهم بقوله :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣))
قلت : (الذين) : مبتدأ ، و (أضل) : خبر ، و (من ربهم) : حال من ضمير الحق ، وجملة (وهو ...) إلخ : اعتراضية بين المبتدأ والخبر ، و (ذلك) : مبتدأ ، و (بأن) : خبر.
يقول الحق جل جلاله : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي : أعرضوا وامتنعوا عن الدخول فى الإسلام ، أو صدوا غيرهم عنه. قال الجوهري : صدّ عنه ، يصدّ ، صدودا : أعرض ، وصدّه عن الأمر صدا : منعه ، وصرفه عنه. ه. وهم المطعمون يوم بدر (٢) ، أو : أهل الكتاب ، كانوا يصدون من أراد الدخول فى الإسلام ، منهم ومن غيرهم ، أو عام فى كل من كفر وصدّ. فهؤلاء (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) أي : أحبطها وأبطلها ، أي : جعلها ضالة ضائعة ، ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها ، كضالة الإبل. وليس المعنى أنه أبطلها بعد أن لم تكن كذلك ، بل بمعنى : أنه حكم ببطلانها وضياعها ، فإنّ ما كانوا يعملونه من أعمال البر ، كصلة الأرحام ، وقرى الضيف ، وفك الأسارى ، وغيرها من المكارم ، ليس لها أثر من أصلها ؛ لعدم الإيمان ، أو : أبطل ما عملوا من الكيد برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والصد عن سبيله ، بنصر رسوله ، وإظهار دينه على الدين كله ، وهو الأوفق بقوله : (فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (٣).
__________________
(١) فى الأصول : «سورة محمد أو القتال».
(٢) قاله ابن عباس رضي الله عنه ـ فيما ذكره القرطبي فى تفسيره (٧ / ٦٢٣٠). «وهم اثنا عشر رجلا ، وذكر القرطبي أسماءهم.
(٣) الآية ٨ من نفس السورة.