سورة الأحقاف
مكية : وقيل : إلا قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) (١) الآية ، وقوله : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (٢). وهى خمس وثلاثون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله : (ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً) (٣) أي : حيث قلتم : إن محمدا اختلقها ، مع قوله : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) ، فهى رد عليهم.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣))
يقول الحق جل جلاله : (حم) ؛ يا محمد ، أو : الوحى إلى محمد ، (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ) أي : هذا تنزيل القرآن ، وهو من الله (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ، فمن حفظه ، وعرف ما فيه ، وعمل بمضمنه كان عزيزا على الله ، حكيما فيما يبدئ ويعيد. (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) من المخلوقات (إِلَّا بِالْحَقِ) أي : إلا ملتبسا بالحق الذي تقتضيه الحكمة التكوينية والتشريعية ، فالاستثناء مفرغ من أعم المفاعيل ، أو من أعم الأحوال ، أي : ما خلقناهما فى حال من الأحوال إلا حال ملابستنا بالحق ، وفيه من الدلالة على وجود الصانع ، وصفات كماله ، وابتناء أفعاله على حكمة بالغة ، ما لا يخفى ، (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) تنتهى إليه ، وهو يوم القيامة ، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا) به من هول ذلك اليوم ، الذي لا بد لكل مخلوق من الانتهاء إليه ، (مُعْرِضُونَ) ؛ لا يؤمنون به ، ولا يهتمون بالاستعداد له ، ويجوز أن تكون «ما» مصدرية ، أي : عن إنذارهم ذلك اليوم معرضون.
وحاصل افتتاح السورة : أنّ الوحى الخاص إلى محمد هو منزل من الله العزيز ، الذي عزّ عن الافتراء عليه ، وأعزّ بالوحى من تمسك به ، الحكيم فى تنزيله وحيه ، مرشدا لعباده لما فيه صلاحهم وهداهم ، ومن حكمته : أنّ
__________________
(١) الآية ١٠ من السورة.
(٢) الآية الأخيرة.
(٣) من الآية ٣٥ من سورة الجاثية.