سورة الفتح
مدنية. وهى تسع وعشرون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ) (١) ؛ فإنه بشارة بالفتح الذي أشار إليه سبحانه بقوله :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣))
يقول الحق جل جلاله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) ، الفتح عبارة عن الظفر بالبلدة عنوة أو صلحا ، بحرب أو بدون ، فإنه ما لم يقع الظفر منغلق ، مأخوذ من : فتح باب الدار. وإسناده إلى نون العظمة لإسناد الفعل إلى الله تعالى خلقا وإيجادا. قيل : المراد به فتح مكة ، وهو المروي عن أنس رضي الله عنه ، بشّر به صلىاللهعليهوسلم عند انصرافه من الحديبية. والتعبير عنه بصيغة الماضي على سنن الأخبار الإلهية المحققة الوقوع ، للإيذان بتحققه ، تأكيدا للتبشير ، وتصدير الكلام بحرف التحقيق لذلك ، وفيه من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبر به ـ وهو الفتح ـ ما لا يخفى. وقيل : هو فتح الحديبية ، وهو الذي عند البخاري عن أنس (٢) ، وهو الصحيح عند ابن عطية ، وعليه الجمهور. وفيها أخذت البيعة على الجهاد ، وهو كان سبب إظهار الإسلام وفشوه ، وذلك أنّ المشركين كانوا ممنوعين من مخالطة أهل الإسلام ، للحرب التي كانت بينهم ، فلما وقع الصلح اختلط النّاس بعضهم مع بعض ، وجعل الكفار يرون أنوار الإسلام ، ويسمعون القرآن ، فأسلم حينئذ بشر كثير قبل فتح مكة.
وقد ورد عنه صلىاللهعليهوسلم حين بلغه أن رجلا قال : ما هذا بفتح ، لقد صدّونا عن البيت ، ومنعونا ، قال : «بل هو أعظم الفتوح ، وقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح ، ويسألوكم القضية ، ويرغبوا إليكم فى الأمان ، وقد رأوا منكم
__________________
(١) الآية ٣٥ من سورة «محمد» صلىاللهعليهوسلم.
(٢) أخرجه البخاري فى (التفسير ـ سورة الفتح ، باب (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ح ٤ ٤٨٣).