(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ ، إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ) فى اليوم الرّابع من عقرها ، (صَيْحَةً واحِدَةً) صاح بهم جبريل عليهالسلام (فَكانُوا) ؛ فصاروا (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) كالشجر اليابس الذي يجده من يعمل الحظيرة ، فالهشيم : الشجر اليابس المتكسر ، الذي يبس من طول الزمان ، وتتوطّؤه البهائم ؛ فيتحطّم ويتهشّم ، والمحتظر : الذي يعمل الحظيرة. قال ابن عباس : «هو الرّجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجر والشوك ، فما يسقط من ذلك ودرسته الغنم فهو هشيم» (١) شبههم فى تبددهم ، وتفرق أو صالهم ، بالشوك الساقط على الأرض ، (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) فيتعظ بما يسمع من هذه القصص.
الإشارة : سبب إنكار النّاس على أهل الخصوصية ؛ ظهور وصف البشرية عليهم ، ولا يلزم من وجود الخصوصية عدم وصف البشرية ، ووصف البشرية على قسمين :
قسم لازم ، لا تنفك العبودية عنه ، كالأ كل والشرب والنّوم والنّكاح ، وغيرها من الأوصاف الضرورية ، وهذه هى التي تجامع الخصوصية وبها سترت ، واحتجبت حتى أنكرت ، فوجودها فى العبد كمال ؛ لأنها صوان لسر الخصوصية. قال فى الحكم : «سبحان من ستر سر الخصوصية بظهور وصف البشرية ، وظهر بعظمة الرّبوبية فى إظهار العبودية». وقسم عارض يمكن زواله ؛ وهى الأوصاف المذمومة ، كالكبر والحسد والحقد ، وحب الدنيا والرّياسة ، وغير ذلك ، فهذا لا تجامعه الخصوصية ، ولا بد من التطهير منه فى وجودها.
وللقشيرى إشارة أخرى ، وحاصلها : كذبت ثمود ؛ النفس الأمّارة وجنودها ؛ صالح القلب ؛ حين دعاها إلى الخروج عن عوائدها ، والتطهر من أوصافها المذمومة ، فقالت النّفس وجنودها : أنتبع واحدا منا ، لأنه مخلوق مثلنا ، ونحن عصبة؟ إنا إذا لفى ضلال وسعر ، أألقي الذكر الإلهامى عليه من بيننا؟ بل هو كذّاب أشر ، سيعلمون غدا ، حين يقع لهم الرّحيل من عالمهم ، من الكذاب الأشر ، أثمود النّفس وجنودها ، أم صالح القلب؟ إنّا مرسل ناقة النّفس فتنة لهم ، ابتلاء ؛ ليظهر الخصوص من العموم ، فارتقبهم ، لعلهم يرجعون إلى أصلهم من النّزاهة والطهارة ، واصطبر فى مجاهدتهم ، ونبئهم أنّ ماء الحياة ـ وهى الخمرة الأزلية ـ قسمة بينهم ، من شرب منها صفا ، ومن تنكب عنها أظلم ، كل شرب يحضره من يتأهل له. فنادوا صاحبهم ـ وهو الهوى ـ فتعاطى ناقة النّفس ، التي أرادت العروج إلى وطن الرّوح ، فعقرها وردها إلى وطنها الخسيس ، فكيف كان عذابى لها ، وإنذارى إياها؟ إنّا أرسلنا عليهم صيحة القهر ، فسقطوا إلى الحضيض الأسفل ، فكانوا كهشيم المحتظر ؛ صاروا أرضيين بعد أن كانوا سماويين. ه بالمعنى مع تخالف له.
__________________
(١) انظر تفسير البغوي ٧ / ٤٣١.