سورة غافر*
مكية (١). وآيها : خمس ـ أو ثمان ـ وثمانون آية (٢) ، ومناسبتها لما قبلها قوله : (غافِرِ الذَّنْبِ ...) إلخ ، فإنها فذلكة لما تقدم من أحوال المحشر ؛ لأن منهم من غفرت ذنوبه ، وقبلت توبته ، فسيق إلى الجنة ، وتطاولت عليه النّعم ، ومنهم من شددّ عقابه ، وردت عليه محاسنه ، فسيق إلى النّار ، قال تعالى :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤))
يقول الحق جل جلاله : (حم) أي : يا محمد. فاقتصر على بعض الحروف ، سترا عن الوشاة ، كعادة العشاق فى ذكر محبوبهم ، يرموزن إليه ببعض حروفه. وقال ابن عطية : سأل أعرابى النّبىّ صلىاللهعليهوسلم عن «حم» ما هو؟ فقال : «بدء أسماء وفواتح سور» (٣) وفى حديث : «إذا بيتّم فقولوا : حم لا ينصرون» قال أبو عبيد : كأن المعنى : اللهم لا ينصرون. قلت : لا يبعد أن يكون توسل بحبيب الله على هزم الأعداء. وعن ابن عباس : (أنه اسم الله الأعظم). ه. وكأنه مختصر من «حى قيوم».
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ) أي : هذا تنزيل القرآن (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي : العزيز بسلطانه ، الغالب على أمره ، العليم بمن صدّق به وكذّب. وهو تهديد للمشركين ، وبشارة للمؤمنين. والتعرض لوصفى العزة والعلم للإيذان بظهور أثريهما فى الكتاب ؛ لظهوره عزه وعز من تمسك به ، ولاشتماله على علوم الأولين والآخرين.
__________________
(*) فى الأصول : [سورة المؤمن].
(١) قال السيوطي فى الدر المنثور (٥ / ٦٤٣) : أخرج ابن الضريس ، والنّحاس والبيهقي فى الدلائل ، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ، قال : «أنزلت الحواميم السبع بمكة».
(٢) قال الداني فى «البيان فى عد آي القرآن» ص ٢١٨ : «وهى ثمانون وثنتان فى البصري ، وأربع فى المدنيين والمكي ، وخمس فى الكوفي ، وست فى الشامي». هذا ولم أقف على من قال أنها ثمان وثمانون آية.
(٣) ذكره فى المحرر الوجيز (٤ / ٥٤٥) والبحر المحيط (٧ / ٤٢٩).