الإشارة : فى الآية تسلية لمن أوذى من الأولياء ، وإجابة الدعاء على الظالم ، لهم إن [أذن] (١) لهم فى ذلك بإلهام أو هاتف ، وإلّا فالصبر أولى ، وجعل القشيري نوحا إشارة إلى القلب ، وقومه جنود النّفس ، من الهوى والدنيا وسائر العلائق ، فيكون التقدير : كذبت النّفس وجنودها القلب ، فيما يرد عليه من تجليات الحق ، وكشوفات الغيب ، وقالوا : إنما هو مجنون فيما يخبر به ، فزجرته ، ومنعته من تلك الواردات الإلهية بظلمات شهواتها ، فدعا ربه وقال : أنى مغلوب فى يد النّفس وجنودها ، فانتصر لى حتى تغيبنى عنهم ، ففتحنا أبواب سماء الغيب بأمطار الواردات الإلهية القهّارية ، لتمحق تلك الظلمات النّفسانية ، وفجرنا أرض البشرية بعلوم آداب العبودية ، فالتقى ماء الواردات ، التي هى من حضرة الرّبوبية ، مع ماء علوم العبودية ، على أمر قد قدر أنه ينصر القلب ، ويرقيه إلى حضرة القدس ، وحملناه على سفينة الجذب والعناية ، تجرى بحفظنا ، جزاء لنعمة القلب التي كفرت به النّفس وجنودها ، ولقد تركنا هذه الفعلة آية يعتبر بها السائرون إلينا ، والطالبون لنا ، فهل من مدكر؟ فكيف كان عذابى لمن استولت عليه النّفس وجنودها؟ وكيف كان إنذارى من غم الحجاب ، وسوء الحساب ، ولقد يسّرنا القرآن للذكر ؛ للاتعاظ ، فهل من مدكر ، فينهض من غفلته إلى مولاه؟.
ثم ذكر قصة عاد ، فقال :
(كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢))
يقول الحق جل جلاله : (كَذَّبَتْ عادٌ) هودا عليهالسلام ، (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ)؟! أي : وإنذارى لهم بالعذاب قبل نزوله ، والاستفهام لتوجيه قلوب السامعين للإصغاء إلى ما يلقى إليهم قبل ذكره ؛ لتهويله وتعظيمه ، وتعجيبهم من حاله قبل بيانه ، كما قبله وما بعده ، كأنه قيل : كذبت عاد فهل سمعتم ما حلّ بهم؟ أو : فاسمعوا ، فكيف كان عذابى وإنذارى لهم.
ثم بيّن ما أجمل فقال : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) ؛ باردة أو : شديدة الصوت ؛ (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) ؛ شؤم (مُسْتَمِرٍّ) شؤمه عليهم إلى أن أهلكهم ، وكان فى أربعاء آخر شوال ، (تَنْزِعُ النَّاسَ) أي : تقلعهم ، وجاء بالظاهر
__________________
(١) فى الأصول [أوذن].