(قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) ؛ من الجنة ، أو : من زمرة الملائكة ، وهو المراد بالأمر بالهبوط ، أو : من السموات ، أو : من الخلقة التي أنت فيها ، وانسلخ منها ، فإنه كان يفتخر بخلقته ، فغيّر الله خلقته ، فاسودّ بعد ما كان أبيض ، وقبح بعد ما كان حسنا ، وأظلم بعد ما كان نوراينا. (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) أي : مرجوم ، مطرود ، من كل خير وكرامة. أو : شيطان يرجم بالشهب.
(وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي) ؛ إبعادى من الرّحمة. وتقييدها هنا ، وإطلاقها فى قوله : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) (١) ؛ لأن لعنة اللاعنين من الثقلين والملائكة أيضا من جهته تعالى ، وأنهم يدعون عليه بلعنة الله وإبعاده من الرّحمة ، (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) ؛ إلى يوم الجزاء والعقوبة ، ولا يظن أن لعنته غايتها يوم الدين ، ثم تنقطع ، بل فى الدنيا اللعنة وحدها ، ويوم القيامة يقترن بها العذاب ، فيلقى يومئذ من ألوان العذاب ، وأفانين العقاب ، ما ينسى به اللعنة ، وتصير عنده كالزائد. أو : لمّا كان عليه اللعنة فى أوان الرّحمة ، فأولى أن يكون عليه اللعنة فى غير أوانها ، وكيف ينقطع ، وقد قال تعالى : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٢) وهو إمامهم؟.
(قالَ) إبليس : (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) ؛ أمهلنى وأخّرنى ، أي : إذا جعلتنى رجيما فأمهلنى ولا تمتنى ، (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي : آدم وذريته للجزاء بعد فنائهم. وأراد بذلك فسحته لإغوائهم ، وليأخذ منهم ثأره ، وينجو من الموت بالكلية ؛ إذ لا موت بعد البعث ، (قالَ) تعالى : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) ، وهو وقت النّفخة الأولى ، ومعنى «معلوم» أنه معلوم عند الله ، لا يتقدم ولا يتأخر. وورود الجواب بالجملة الاسمية مع التعرّض لشمول ما سأله لآخرين ، على وجه يشعر بكون السائل تبعا لهم فى ذلك ، دليل واضح على أنه إخبار بالإنظار المقدر لهم أزلا ، لا إنشاء لإنظار خاص به ، قد وقع إجابة لدعائه ، أي : إنك من جملة الذين أخرت آجالهم أزلا ، حسبما تقتضيه حكمة التكوين.
(قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ، أقسم بعزة الله ، وهو سلطانه وقهره على إغواء بنى آدم ، بتزيين المعاصي والكفر ، (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) ، وهم الذين أخلصهم الله للإيمان به وطاعته ، وعصمهم من الغواية ، أو : الذين أخلصوا قلوبهم وأعمالهم لله فى قراءة الكسر (٣).
__________________
(١) من الآية ٣٥ من سورة الحجر.
(٢) من الآية ٤٤ من سورة الأعراف.
(٣) قرأ بكسر اللام فى «المخلصين» ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر. اسم فاعل. وقرأ الباقون بفتحها ، اسم مفعول. انظر السبعة ، ٣٤٨ والإتحاف (٢ / ٣٢٤).