(هذا فَلْيَذُوقُوهُ) أي : ليذوقوا هذا فليذوقوه ، كقوله تعالى : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (١) أو : العذاب هذا فليذوقوه ، وهو (حَمِيمٌ وَ) (غَسَّاقٌ) .. إلخ ، أو : (هذا) : مبتدأ ، و (حميم وغساق) : خبر ، وما بينهما اعتراض ، والغساق : ما يغسق ، أي : يسيل من صديد أهل النّار ، يقال : غسقت العين ؛ إذا سال دمعها. وقيل : الحميم يحرق بحرّه ، والغساق يحرق ببرده. قيل : «لو قطرت منه قطرة بالمشرق لأنتنت أهل المغرب ، ولو قطرت بالمغرب لأنتنت أهل المشرق ، وقيل : الغساق : عذاب لا يعلمه إلا الله. وهو بالتخفيف والتشديد ، قرىء بهما (٢).
(وَآخَرُ) أي : وعذاب آخر ، أو : مذوق آخر ، (مِنْ شَكْلِهِ) ؛ من مثل العذاب المذكور. وقرأ البصري : «أخر» بالجمع ، أي : ومذوقات أخر من شكل هذا العذاب فى الشدّة والفظاعة ، (أَزْواجٌ) أي : أصناف ، وهو خبر لآخر ، أو : صفة له ، أو : للثلاثة.
(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) ، حكاية لما يقوله الخزنة للطاغين إذا دخلوا النّار ، واقتحمها معهم فوج كانوا يتبعونهم فى الكفر والضلالة. والاقتحام : الدخول فى الشيء بشدة ، أو : من كلام الطاغين بعضهم من بعض. (لا مَرْحَباً بِهِمْ) ، هو من تمام كلام الخزنة ، على الأول ، أو : من كلام الطاغين ، دعاء منهم على أتباعهم. يقال لمن يدعو له أو يفرح به : مرحبا ، أي : وجدت مكانا رحبا ، لا ضيقا ، ثم تدخل عليه النّفى فى دعاء السوء ، فتقول : لا مرحبا. و «بهم» : بيان للمدعو عليهم ، (إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ) أي : داخلوها. وهو تعليل لاستحقاقهم الدعاء عليهم. وقيل : (هذا فوج ...) إلخ ، من كلام الخزنة لرؤساء الكفرة. و (لا مرحبا بهم ...) إلخ ، من كلام الرّؤساء.
(قالُوا) أي : الأتباع : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) أي : الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحقّ به ، وعللوا ذلك بقوله : (أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا) أي : إنكم دعوتمونا للكفر ، فتبعناكم ، فقدمتمونا به للعذاب ، (فَبِئْسَ الْقَرارُ) أي : بئس المقر جهنم ، قصدوا بذمها تغليظ جناية الرّؤساء عليهم. (قالُوا) أي : الأتباع ، معرضين عن خصومتهم ، متوجهين إلى الله : (رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً) أي : مضاعفا. (فِي النَّارِ) أو : ذا ضعف ، ومثله قوله : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً) (٣) ، وهو أن يزيد على عذابه مثله.
__________________
(١) من الآية ٤٠ من سورة البقرة.
(٢) قرأ حمزة والكسائي وحفص بالتشديد. وخففها الآخرون. انظر الإتحاف (٢ / ٤٢٣).
(٣) من الآية ٣٨ من سورة الأعراف.