(هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ) ، قال ابن عرفة : اللام للتوقيت ، أي : عنده ، أو : للتعليل ، فإن الحساب علّة للوصول إلى الجزاء. وقرأ المكي والبصري بياء الغيب ، ليوافق ما قبله ، والالتفات أليق بمقام الامتنان والتكريم. (إِنَّ هذا) الذي ذكر من ألوان النّعيم والكرامات (لَرِزْقُنا) أعطيناكموه ، (ما لَهُ مِنْ نَفادٍ) ؛ من انقطاع وتمام أبدا.
الإشارة : كل من توجه إلى الله بكليته ، واتصف بمحاسن الأخلاق ، كان له ذكر وشرف فى الدنيا ، وكرامة فى العقبى ، بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.
ثم ذكر أضدادهم بقوله :
(هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ (٥٦) هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ (٥٨) هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ (٥٩) قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ (٦٠) قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ (٦١) وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ (٦٢) أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (٦٤))
قلت : (هذا) : خبر ، أي : الأمر هذا ، أو : مبتدأ ؛ أي : هذا كما ذكر ، وهو من الاقتضاب (١) الذي يقرب من التخلص (٢) ، كقوله بعد الحمد : أما بعد. قال السعد : هو من فصل الخطاب ، الذي هو أحسن موقعا من التخلص. قال : وقد يكون الخبر مذكورا كقوله : (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ ..) الآية. ه. قال الطيبي : هو من فصل الخطاب ، على التقدير الأول ، لا الثاني. ه. أي : إذا كان خبرا عن مضمر ، لا ما إذا ذكر الخبر.
يقول الحق جل جلاله : (هذا) أي : الأمر هذا ، (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) ؛ مرجع (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) ؛ يدخلونها ، حال من جهنم ، (فَبِئْسَ الْمِهادُ) : الفراش ، شبّه ما تحتهم من النّار بالمهاد الذي يفرش للنائم ، والمخصوص محذوف ، أي : جهنم.
__________________
(١) الاقتضاب عند البلغاء : الانتقال مما افتتح به الكلام إلى المقصود من غير مناسبة ، كقولك بعد حمد الله : أما بعد فقد فعلت كذا وكذا. انظر محيط المحيط (ص ٧٤٢).
(٢) التخلص عند البلغاء : الانتقال مما افتتح به الكلام إلى المقصود مع رعاية المناسبة. انظر محيط المحيط (ص ٢٤٨).