(وَقالُوا) أي : الرؤساء : (ما لَنا لا نَرى رِجالاً) ، يعنون : فقراء المسلمين ، (كُنَّا نَعُدُّهُمْ) فى الدنيا (مِنَ الْأَشْرارِ) ؛ من الأرذال الذين لا خير فيهم ولا جدوى ، حيث كانوا يسترذلونهم ويسخرون منهم ، (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) ، بهمزة الاستفهام ، سقطت لأجلها همزة الوصل. والجملة : استئنافية ، ومن قرأ بالوصل (١) فقط فالجملة : صفة ثانية لرجال ، (أَمْ زاغَتْ) ؛ مالت (عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) ، والمعنى على الاستفهام : أتخذناهم سخريا وليسوا كذلك ، فلم يدخلوا معنا النّار فهم فى الجنة ، أم دخلوها معنا ، ولكن مالت عنهم أبصارنا ، فلا نراهم معنا؟ وعلى الاستخبار : ما لنا لا نرى رجالا معنا فى النّار ، كانوا عندنا أشرار ، قد اتخذناهم سخريا نسخر بهم ، ثم أضربوا وقالوا : بل زاعت عنهم الأبصار ، فلا نراهم فيها ، وإن كانوا معنا ، أو : زاغت أبصارنا ، وكلّت أفهامنا عنهم ، حتى خفى علينا مقامهم ، وأنهم على الحق ونحن على الباطل ، وما تبعناهم. ومن قرأ «سخريا» بالضم (٢) ؛ فمن : التسخير والاستخدام. ومن قرأ بالكسر ، فمن السخر ، الذي هو الهزء. وجوز فى القاموس الضم والكسر فيهما معا ، فراجعه.
(إِنَّ ذلِكَ) الذي حكى من أحوالهم (لَحَقٌ) لا بد من وقوعه البتة ، وهو (تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) فيها على ما تقدم.
ولمّا شبّه تفاوضهم ، وما يجرى بينهم من السؤال والجواب ، بما يجرى بين المتخاصمين ، سمّاه تخاصما ، وبأنّ قول الرّؤساء : (لا مَرْحَباً) وقول الاتباع : (بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ) من باب الخصومة لا محالة ، فسمى التقاول كله تخاصما ؛ لا شتماله على ذلك.
الإشارة : كل من تعدى وطغى ، ولم يتب ، من المؤمنين ، يرى شيئا من أهوال الكفرة ، فلا يدخل الجنة حتى يتخلص ، وكلّ من سخر بالفقراء يسقط فى الحضيض الأسفل ، ويكون سكناه فى أسفل الجنة ، فيقول : ما لنا لا نرى معنا رجالا كنا نعدّهم من المبتدعة الأشرار ، اتخذناهم سخريا ، وهم كبراء عند الله ، رفعوا عنا ، أم هم معنا ولكن زاغت عنهم الأبصار؟ فيجابون : بأنهم رفعوا مع المقربين ، كانوا مشتغلين بنا ، وكنتم منهم تضحكون. إنى جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون بالقرب ومشاهدة طلعتنا ، فى كلّ حين ، وبالله التوفيق.
__________________
(١) قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، ويعقوب «اتخذناهم» بوصل الهمزة بما قبلها ، وبكسر الألف عند الابتداء. وقرأ الباقون بقطع الألف وفتحها ، على الاستفهام. انظر الإتحاف (٢ / ٤٢٣).
(٢) قرأ بضم السين نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو جعفر. وقرأ الباقون بكسرها.