(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) الناطقة بالحق ، الذي من جملته البعث ، (بَيِّناتٍ) ؛ واضحات الدلالة على ما نطقت به ، أو مبينات له ، (ما كانَ حُجَّتَهُمْ) ؛ ما كان متمسكا لهم شىء من الأشياء ، (إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى أنّا نبعث بعد الموت ، أي : لا شبهة لهم إلا هذا القول الباطل ، الذي يستحيل أن يكون من قبيل الحجة ، أي : ليس لهم حجة إلا العناد والاستبعاد. وتسميته حجة إما لسوقهم إياه مساق الحجة فى زعمهم ، أو تهكما بهم ، كقول القائل : «تحية بينهم ضرب وجيع». قال ابن عرفة : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ ...) الآية ، أي : إنهم مع كونهم ظانين فهم بحيث لو استدل لهم لما ازدادوا إلا ضلالا ، وقد تقرر فى علم الجدل أن المصمم على الشيء يصعب نقله عنه ، بخلاف الظان والشاك ، فأتت هذه الآية نفيا لما يتوهم فى هؤلاء أنهم حيث لا يقين عندهم يسهل رجوعهم ، حين تظهر الحجة. ه. ومن نصب «حجتهم» فخبر كان ، ومن رفعه فاسمها (١).
الإشارة : قال القشيري : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا ...) الآية ، اغتروا بما وجدوا عليه خلفهم ، وأرخوا فى البهيمية عنانهم وعمرهم ، وأغفوا عن ذكر الفكرة قلوبهم ، فلا بالعلم استبصروا ، ولا من الحقائق استمدوا ، رأس ما لهم الظن ، وهم غافلون ، وإذا تتلى عليهم الآيات طلبوا إحياء موتاهم ، وسوف يرون ما استبعدوا. ه.
ثم قرر البعث الذي أنكروه ، فقال :
(قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧) وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢))
__________________
(١) قرأ الجمهور «حجتهم» بالنصب ، وعن الحسن وغيره «حجتهم» بالرفع ، اسم كان ، و «إلا أن قالوا» الخبر ، وهى قراءة شاذة. انظر : الإتحاف (٢ / ٤٦٧) وإعراب القراءات الشاذة للعكبرى (٢ / ٤٧١).