قلت : (ويوم) : منصوب بيخسر ، و «يومئذ» بدل منه ، و «كل أمة تدعى» : مبتدأ وخبر ، ومن نصب (١) فبدل من «كل أمة» ، (والساعة لا ريب فيها) ؛ من رفعها فمبتدأ (٢) ، ومن نصبها فعطف على (وعد الله).
يقول الحق جل جلاله : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ) فى الدنيا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء أعماركم ، لا كما تزعمون من أنكم تحيون وتموتون بحكم الدهر ، (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ) بعد الموت (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) للجزاء ، (لا رَيْبَ فِيهِ) أي : فى جمعكم ؛ فإنّ من قدر على البدء قدر على الإعادة ، والحكمة اقتضت الجمع للجزاء لا محالة ، وتأخيره ليوم معلوم ، والرّدّ لأبائهم كما اقترحوا ، حيث كان مزاحما للحكمة التشريعية ، امتنع إيقاعه لرفع الإيمان بالغيب حينئذ ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) قدرة الله على البعث ، وحكمة إمهاله ، لإعراضهم عن التفكر بالانهماك فى الغفلة ، وهو استدراك من قوله : (لا ريب) ، إما من تمام الكلام المأمور به ، أو مستأنف من جهته تعالى ، تحقيقا للحق ، وتنبيها على أن ارتيابهم إنما هو لجهلهم وتقصيرهم فى التفكر والنّظر ، لا لأن فيه شائبة ريب ما.
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : له التصرف فيهما وفيما بينهما ، وهو بيان لاختصاص الملك المطلق بالله ، إثر بيان تصرفه تعالى فى النّاس بالإحياء والإماتة ، والبعث والجمع والجزاء ، وكأنه دليل لما قبله ، (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) ؛ الداخلون فى الباطل ، وهو الكفر ، (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ) من الأمم المجموعة (جاثِيَةً) ؛ باركة على الرّكب ، مستوفزة من هول ذلك اليوم ، يقال : جثا فلان يجثو : إذا جلس على ركبتيه ، قال سلمان رضي الله عنه : فى القيامة ساعة هى عشر سنين ، يخرّ النّاس فيها جثاة على ركبهم ، حتى إن إبراهيم ينادى : نفسى نفسى (٣). ه. وروى : أن جهنم حين يؤمر بها أن تساق إلى الموقف ، تنفلت من أيدى الزبانية ، حتى تهم أن تأتى على أهل الموقف جميعا ، وتزفر زفرة تذهب بحاسة الآذان ، فيجثوا الكلّ على الرّكب ، حتى المرسلين ، وكلّ واحد يقول : نفسى نفسى ، لا أسألك اليوم غيرها ، ونبينا عليه الصلاة والسّلام يقول : «أمتى أمتى». نقله الغزالي ، وعن ابن عباس : جاثية : مجتمعة ، وقيل : جماعات ، من : الجثوة ، وهى الجماعة.
(كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) ؛ صحيفة أعمالها ، والمراد الجنس ، أي : صحائف أعمالها ، (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فى الدنيا ، ثم يقال لهم : (هذا كِتابُنا) ، أضيف الكتاب إليهم أولا ؛ لملابسته إياهم ، لأن أعمالهم مثبتة فيه ، وإلى الله ثانيا ؛ لأنه مالكه ، والآمر للملائكة بكتبه ، وأضيف لنون العظمة تفخيما لشأنه ، وتهويلا
__________________
(١) قرأ يعقوب بنصب «كل» وقرأ الباقون برفعها.
(٢) قرأ حمزة «والساعة» بالنصب ، وقرأ الباقون بالرفع.
(٣) ذكره البغوي فى تفسيره (٧ / ٢٤٦) والقرطبي (٧ / ٦١٨٠).