هوى» (١) ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث مهلكات ؛ شحّ مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه» (٢) وقال أيضا : «الكيّس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنّى على الله» (٣) ، وسيأتى فى الإشارة تمامه.
ثم قال تعالى : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) أي : خذله على علم منه ، باختياره الضلالة ، أي : عالما بضلاله ، وتبديله لفطرة الله التي فطر النّاس عليها. وقيل : نزلت فى أمية بن أبى الصلت ، وكان عنده علم بالكتب المتقدمة ، فكان ينتظر بعثة الرّسول صلىاللهعليهوسلم ، فلما ظهر ، قال : ما كنت لأومن لرسول ليس من ثقيف ، وأشعاره محشوة بالتوحيد ، ولكن سبق له الشقاء ، فلم يؤمن ، وختم على سمعه فلا يقبل وعظا وقلبه ، فلا يعتقد حقّا ، أي : لا يتأثر بالمواعظ ، ولا يتفكر فى الآيات والنّذر. (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) أي : ظلمة مانعة من الاعتبار والاستبصار ، (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) ؛ من بعد إضلال الله إياه؟ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ؛ أفلا تتعظون ، فتسلمون الأمور إلى مولاها ، يضل من يشاء ويهدى من يشاء.
الإشارة : حقيقة الهوى كلّ ما تعشقه النّفس ، وتميل إليه من الحظوظ العاجلة ، ويجرى ذلك فى المآكل ، والمشارب ، والملابس ، والمناكح ، والجاه ، ورفع المنزلة ، فليجاهد العبد نفسه فى ترك ذلك كله ، حتى لا تحب إلا ما هو طاعة يقرب إلى الله ، كما قال صلىاللهعليهوسلم : «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تابعا لما جئت به» (٤) فإن كان فى طريق الإرادة والتربية ترك كلّ ما تميل إليه نفسه وتسكن إليه ، ولو كان طاعة ، كما قال البوصيرى رضي الله عنه :
وراعها وهى فى الأعمال سائمة |
|
وإن هى استحلت المرعى فلا تسم |
فإنّ حلاوة الطاعة سموم قاتلة ، يمنع الوقوف معها من الترقي إلى حلاوة الشهود ولذة المعرفة ، وكذلك الركون إلى الكرامات ، والوقوف مع المقامات ، كلها أهوية تمنع مما هو أعلى منها ؛ من مقام العيان ، فلا يزل المريد يجاهد نفسه ، ويرحلها عن هذه الحظوظ ، حتى تتمحض محبتها فى الحق تعالى ، فلا يشتهى إلا شهود ذاته الأقدس ، أو ما يقضيه عليه ، فإذا ظهر بهذا المقام لم تبق له مجاهدة ولا رياضة ، وكان ملكا حرا ، فيقال له حينئذ :
__________________
(١) الحديث ذكره القرطبي فى تفسيره (٧ / ٦١٧٣) عن أبى أمامة.
(٢) أخرجه مطولا البزار (كشف الأستار / ٨١) ، وأبو نعيم فى الحلية (٢ / ٢٤٣) من حديث أنس رضي الله عنه. وأخرجه الطبراني فى الأوسط (ح ٥٧٥٤) من حديث ابن عمر رضي الله عنه.
(٣) أخرجه أحمد (٤ / ١٢٤) وابن ماجه فى (الزهد ، بات ذكر الموت والاستعداد له ، ح ٤٢٦٠) والترمذي ، وحسّنه فى (صفة القيامة والرّقائق ، ح ٢٤٥٩) والحاكم (٤ / ٢٥١) «وصحّحه وأقره الذهبي» والطبراني فى الكبير (٧ / ٣٣٨ ، ح ٧١٤١) وابن المبارك فى الزهد (٥٦ ح ٢٥) من حديث شداد بن أوس.
(٤) أخرجه البغوي فى شرح السنة (٢١٣) والبغدادي فى تاريخ بغداد (٤ / ٣٦٩) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وقد بسط الكلام على هذا الحديث الحافظ ابن رجب فى «جامع العلوم والحكم» فراجعه إن شئت.