الإشارة : ما أعطى الله عبدا مكنة إلا بعد محنة ، ولا رفع مقاما إلا بعد ابتلاء ، إما فى البدن والمال ، وإما فى الدين ، إن صحبه رجوع وانكسار. كأنّ الله تعالى إذا أراد أن يرفع عبدا أهبطه إلى أرض قهرية العبودية ، ثم يرفعه إلى مشاهدة عظمة الرّبوبية ، ثم يملكه الوجود بأسره ، يتصرف فيه بهمته كيف شاء. ولذلك قيل فى معصية آدم : نعمت المعصية أورثت الخلافة. وشاهده حديث : «أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلى» (١). ومن كان الله عنده ، ما ذا يفوته؟
وقوله تعالى : (وَهَبْ لِي مُلْكاً ..) إلخ ، قال القشيري : لم يطلب الملك الظاهر ، وإنما أراد به أن يملك نفسه ، فإن الملك ـ على الحقيقة ـ من ملك نفسه ، فمن ملكها لم يتّبع هواه ، ـ أي : فيكون حرا ، فيملكه الله التصرف فى الوجود. ثم قال : ويقال أراد به كمال حاله فى شهود ربه ، حتى لا يرى معه غيره ، ويقال : سأل القناعة التي لا يبقى معها اختيار. ه.
وقوله تعالى : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) ، هو عند الأولياء ليس خاصا بسليمان ، ف كل من تمكّن مع الله التمكن الكبير يفوض إليه الأمر ، ويقال : افعل ما شئت ، وشاهده : حديث أهل بدر. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلى : رضي الله عنه يبلغ الولىّ مبلغا يقال له : أصحبناك السلامة ، وأسقطنا عك الملامة ، فاصنع ما شئت. ثم استشهد بالآية فى حق سليمان ، هذا ، وإن كان للنبى من أجل العصمة ، فلمن كان من الأولياء فى مقام الإمامة قسط منه ، من أجل الحفظة.
ثم ذكر أيوب عليهالسلام ، فقال :
(وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (٤٢) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤))
__________________
(١) سبق تخريج الحديث.