قوله تعالى : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ ...) الآية ، قال القشيري : فمن لا يؤمن بها فبأى حديث يؤمن؟ ومن أي أصل ينشأ بعده (١)؟ ومن أي بحر فى التحقيق يغترف؟ هيهات ما بقي للإشكال فى هذا مجال. ه.
ثم ذكر حال من أعرض عنها ، فقال
(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١))
يقول الحق جل جلاله : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ) ؛ كذّاب (أَثِيمٍ) ؛ كثير الآثام ، (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ) التنزيلية (تُتْلى عَلَيْهِ) ، وجملة «يسمع» صفة أخرى لأفّاك ، أو استئناف ، أو حال من ضمير «أثيم» ، و «تتلى» : حال من «آيات الله» ، (ثُمَّ يُصِرُّ) أي : يقيم على كفره ، حال كونه (مُسْتَكْبِراً) عن الإيمان بالآيات ، والإذعان لما تنطق به من الحق ، مزدريا بها ، معجبا بما عنده من الأباطيل. قيل : نزلت فى النّضر بن الحارث ، وكان يشترى من أحاديث الأعاجم ، ويشغل بها النّاس عن سماع القرآن (٢) ، والآية عامة فى كلّ من كان مضارا لدين الله وجيء بثمّ لأن الإصرار على الضلالة ، والاستكبار عن الإيمان عند سماع آيات القرآن ، مستبعد فى العقول. ثم قال : (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) أي : كأنه لم يسمعها ، فأن مخففة ، ومحل الجملة النّصب على الحال ، أي : يصر شبيها بغير السامع ، (فَبَشِّرْهُ) على إصراره واستكباره (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي : أخبره خبر يظهر أثره على البشرة ، تهكما به.
(وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) أي : إذا بلغه من آياتنا شيئا يمكن أن يتشبث بها المعاند ، ويجد له محملا فاسدا يتوسل به إلى الطعن والمغمزة ، (اتَّخَذَها) أي : مهزوءا بها ، لا ما يسمعه فقط ، وإنما لم يقل : اتخذه ؛ للإشعار بأنه إذا أحسّ بشىء من الكلام فيه شىء بزعمه الرّكيك ؛ لم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه ، بل يستهزئ بالجميع ، ويجوز أن يرجع الضمير (لشىء) لأنه فى معنى الآية. (أُولئِكَ لَهُمْ) بسبب جناياتهم المذكورة (عَذابٌ مُهِينٌ) ، وصف العذاب بالإهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم بآيات الله تعالى ، وجمع الإشارة باعتبار
__________________
(١) فى القشيري : [يستمد بعده] وهو أنسب.
(٢) ذكره فى البحر المحيط (٨ / ٤٤).