فلما قرأها المتوكّل ارتاع ، ثم دعا صاحب الدير ، فسأله : من كتبها؟ فقال : لا علم لى ، وانصرف ه. ومن هذا القبيل ما وجد مكتوبا على باب «كافور الإخشيدى» بمصر :
انظر إلى عبر الأيّام ما صنعت |
|
أفنت أناسا بها كانوا وما فنيت |
ديارهم ضحكت أيّام دولتهم |
|
فإذا خلت منهم صاحتهم وبكت |
ومن هذا أيضا ما وجد على قصر «ذى يزن» مكتوبا :
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم |
|
غلب الرّجال فلم تمنعهم القلل |
واستنزلوا من أعالى عز معقلهم |
|
فأسكنوا حفرا ، يا بئس ما نزلوا |
أين الوجوه التي كانت محجّبة |
|
من دونها تضرب الأستار والكلل؟ |
فأفصح القبر عنهم حين سائلهم |
|
تلك الوجوه عليها الدود تقتبل |
قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا |
|
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا |
وحاصل الدنيا ما قال الشاعر :
ألا إنّما الدنيا كأحلام نائم |
|
وما خير عيش لا يكون بدائم (١)؟! |
تأمّل إذا ما نلت بالأمس لذّة |
|
فأفينتها هل أنت إلا كحالم؟! |
هذه فكرة اعتبار ، وأما فكرة استبصار ، فما ثمّ إلا تصرفات الحق ، ومظاهر أسرار ذاته ، وأنوار صفاته ، ظهرت فى عالم الحكمة بالأشكال والرّسوم ، وأما فى عالم القدرة فما ثمّ إلا الحي القيوم.
تجلّى حبيبى فى مرائى جماله |
|
ففى كلّ مرئىّ للحبيب طلائع |
فلمّا تبدّى حسنه متنوّعا |
|
تسمّى بأسماء فهن مطالع (٢) |
وقوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) يفهم منه : أن من عظم قدره تبكى على فقده السموات والأرض ومن فيهن ، فى عالم الحس ، الذي هو عالم الأشباح ، وتفرح به أهل السموات السبع فى عالم الأرواح ؛
__________________
(١) ورد : وكلّ نعيم فيها ليس بدائم.
(٢) البيتان للجيلى. انظر : النادرات العينية / ٦٩.