الرّيح تبكى شجوها |
|
والبرق يلمع فى الغمامه (١) |
وقال جرير ، يرثى عمر بن عبد العزيز :
فالشّمس طالعة ليست بكاسفة |
|
تبكى عليك نجوم اللّيل والقمرا |
حمّلت أمرا عظيما فاصطبرت له |
|
وقمت فينا بأمر الله يا عمرا (٢). |
وقيل : البكاء حقيقة ، وأن المؤمن تبكى عليه من الأرض مصلّاه ، ومحل عبادته ، ومن السماء مصعد عمله ، كما فى الحديث (٣) ، وإذا مات العالم بكت عليه حيتان البحر ، ودوابه ، وهوام البر وأنعامه ، والطير فى الهواء ، وهؤلاء لمّا ماتوا كفارا لم يعبأ الوجود بفقدهم ، بل يفرح بهلاكهم. (وَما كانُوا) لمّا جاء وقت هلاكهم (مُنْظَرِينَ) ؛ ممهلين إلى وقت آخر ، أو إلى الآخرة ، بل عجّل لهم فى الدنيا.
(وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) لما فعلنا بفرعون وقومه ما فعلنا (مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) ، من استعباد فرعون إياهم ، وقتل أبنائهم ، واستحياء نسائهم ، (مِنْ فِرْعَوْنَ) ، بدل من العذاب المهين بإعادة الجار ، كأنه فى نفسه كان عذابا مهينا ، لإفراطه فى تعذيبهم وإهانتهم ، أو خبر عن مضمر ، أي : ذلك من فرعون ، وقرئ «من فرعون» (٤) على معنى : هل تعرفونه من هو فى عتوه وتفرعنه؟ وفى إبهام أمره أولا ، وتبيينه بقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) ثانيا ، من الإفصاح عن كنه أمره فى الشر والفساد مما لا مزيد عليه ، وقوله تعالى : (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) إما خبر ثان ، أي : كان متكبرا مسرفا ، أو حال من الضمير فى «عاليا» ، أي : كان رفيع الطبقة من بين المسرفين ، فائقا لهم ، بليغا فى الإسراف.
__________________
(١) هذا البيت من أبيات قالها ابن المفرّغ فى بيعه جارية تسمى «الأراكة» وغلاما يسمى «بردا» ، وكانا أعز عليه من نفسه ، وقد رغمه عباد بن زياد على بيعهما ، ومن أبيات ابن المفرغ هذه :
والعبد يقرع بالعصا |
|
والحرّ تكفيه الملامة |
والقصة فى خزانة الأدب.
(٢) انظر ديوان جرير / ٢٣٥. وأمالى المرتضى (١ / ٥٢).
(٣) أخرج ابن جرير فى التفسير (٢٥ / ١٢٤) من حديث ابن عباس رضي الله عنه موقوفا : «ليس أحد من الخلائق إلا له باب فى السماء ، منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله ، فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء فقده فبكى عليه ، وإذا فقد مصلاه من الأرض التي كان يصلى فيها ، ويذكر الله فيها ، بكت عليه ، وإن آل فرعون لم يكن لهم فى الأرض آثار صالحة ، ولم يكن يصعد إلى الله منهم خير ، فلم تبك عليهم السماء والأرض».
وأخرج الترمذي فى (التفسير ـ سورة الدخان ح ٣٢٥٥) وأبو يعلى فى مسنده (٤ / ١٥٧) والبغوي فى التفسير (٧ / ٢٣٢) والخطيب فى تاريخ بغداد (٨ / ٣٢٧) عن أنس بن مالك مرفوعا : «ما من مؤمن إلا وله بابان ، باب يصعد منه عمله ، وباب ينزل منه رزقه ، فإذا مات بكيا عليه ، ذلك قوله عزوجل : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) ، قال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه». وانظر مجمع الزوائد ٧ / ١٠٥.
(٤) على الاستفهام. عزاها أبو حيان لابن عباس رضي الله عنه ، انظر البحر المحيط ٨ / ٣٨.