يقول الحق جل جلاله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) أي : متلبسا بآياتنا (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) فأجابوه بقولهم : فأتنا بآية إن كنت من الصادقين كما صرح به فى آية أخرى (١). (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ) ؛ يسخرون منها ، ويهزؤون ، ويسمّونها سحرا. و «إذا» للمفاجأة ، وهو جواب «لمّا» لأن فعل المفاجأة معها مقدّر ، وهو العامل فى «إذا» ، أي : لما جاءهم فاجؤوا وقت ضحكهم منها ، أي : استهزؤوا بها أول ما رأوها ، ولم يتأملوا فيها.
(وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ) من الآيات (إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) ؛ قرينتها ، وصاحبتها التي كانت قبلها ، أي : ما ظهر لهم آية إلا وهى بالغة أقصى مراتب الإعجاز ، بحيث يجزم كلّ من ينظر إليها أنها أكبر من كلّ ما يقاس بها من الآيات. والمراد : وصف الكلّ بغاية الكبر من غير ملاحظة قصور فى شىء منها ، قال النّسفى : وظاهر النظم يدلّ على أن اللاحقة أعظم من السابقة ، وليس كذلك ، بل المراد بهذا الكلام : أنهن موصوفات بالكبر ، كما يقال : هما أخوان ، كل منهما أكبر من الآخر. ه. وقال فى الانتصاف : الظاهر : أن كلّ آية إذا أفردت استغرقت عظمتها الفكر وبهرته ، حتى يجزم أنها النّهاية ، وأنّ كلّ آية دونها ، فإذا نقل الفكر إلى الأخرى كانت كذلك. وحاصله : أنه لا يقدر الفكر أن يجمع بين آيتين ، لتتميز الفاضلة من المفضولة. ه.
(وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) وهو ما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ) (٢) ، (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ...) الآية (٣). (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ؛ لكى يرجعوا عما هم عليه من الضلال.
(وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) ، كانوا يقولون للعالم : إنما هو ساحر ؛ لتعظيمهم علم السحر ، أو : نادوه بذلك فى مثل تلك الحالة لغاية عتوهم ونهاية حماقتهم. وقرأ الشامي بضم الهاء (٤) ، لاتباع حركة ما قبلها حين سقطت الألف ، (ادْعُ لَنا رَبَّكَ) يكشف عنا العذاب (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) أي : لعهده عندك بأن دعوتك مستجابة ، أو : بما عهد عندك من النّبوة والجاه ، أو : بما عهد من كشف العذاب عمن اهتدى ، (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) ؛ مؤمنون إن كشف عنا بدعوتك ، كقوله : (لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ) (٥) ، (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) بدعوته (إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) ؛ ينقضون العهد ، أي : فاجؤوا وقت نكث عهدهم بالاهتداء. وقد مرّ تمامه فى الأعراف (٦).
__________________
(١) فى قوله تعالى : (.. إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) الآية ١٠٦ من سورة الأعراف.
(٢) الآية ١٣٠ من سورة الأعراف.
(٣) الآية ١٣٣ من سورة الأعراف.
(٤) أي «يا أيّه» وبهذا قرأ ابن عامر.
(٥) من الآية ١٣٤ من سورة الأعراف.
(٦) راجع تفسير الآيات ١٣٣ ـ ١٣٦ من سورة الأعراف.