(وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ) (١) (الرَّحْمنِ إِناثاً) أي : اعتقدوا الملائكة وسموهم إناثا. وهو بيان لتضمن كفرهم كفرا آخر ، وتقريع لهم بذلك ؛ وهو جعلهم أكمل العباد وأكرمهم على الله ـ عزوجل ـ أنقصهم رأيا. والعندية عندية منزلة ومكانة ، لا مكان. ومن قرأ «عباد» فجمع «عبد» ، وهو ألزم فى الاحتجاج مع أهل العناد لتضاد العبودية والولادة. (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) أي : أحضروا خلقهم ، فشاهدوا الله حين خلقهم إناثا حتى يحكموا بأنوثتهم ، فإنّ ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة ، وهو تجهيل لهم ، وتهكم بهم. وقرأ نافع بهمزتين ، أي : أحضروا خلقهم. (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) التي شهدوا بها على الملائكة من أنهم إناث ، فى ديوان أعمالهم. (وَيُسْئَلُونَ) عنها يوم القيامة ، وقرئ : شهاداتهم وهى قولهم : إن لله جزءا من خلقه ، وإن لله بنات ، وأنها الملائكة.
الإشارة : وجعلوا له من عباده جزءا ، أشركوا فى المحبة معه غيره ، والمطلوب : إفراد المحبة للمحبوب ، فلا يجب معه شيئا. إن الإنسان لكفور مبين ، حيث علم أن الحبيب الذي أنعم عليه واحد ، وأنه غيور ، لا يرضى لعبده أن يحب معه غيره.
قال القشيري : جعلوا الملائكة جزءا على التخصيص من جملة مخلوقاته. ه. أي : جعلوا له جزءا من عين الفرق ، ولو نظروا بعين الجمع لرأوا الأشياء كلها متدفقة من بحر الجبروت. وفى الآية تحذير من كراهية البنات ، حيث جعله من نعت أهل الكفر.
ثم أبطل شبهتهم ، فقال :
(وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (٢٠) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥))
__________________
(١) أثبت المفسر قراءة «عند» بالنون الساكنة وفتح الدال بلا ألف ، ظرفا ، وتصديقه (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ....) الأعراف / ٢٠٦. وهى قراءة ابن كثير ونافع ، وقرأ أبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي «عباد» بالألف. انظر الإتحاف (٢ / ٤٥٤ ـ ٤٥٥).